هل الميت يشعر بمن يبكي عليه

هل الميت يشعر بمن يبكي عليه

 

هل الميت يشعر بمن يبكي عليه

 

هل الميت يشعر بمن يبكي عليه ؟ سؤالٌ يكثر البحث عنه، وسيكون هو عنوان هذا المقال، والذي سيجد القارئ فيه بعض الأمور المتعلقة بالميتِ من حيث شعوره ببكاءِ أهلِه عليهِ، وإحساسه بذلك، وسماعه لهم وشعوره بتحللِ جسدهِ، كما سيتمُّ الحديث عن حقيقة وجود عذاب القبر مع ذكر الأدلة على ذلك.

 

هل الميت يشعر بمن يبكي عليه

لم يرد دليلًا شرعيًا صريحًا يخبر فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأنَّ الميتَ يشعرُ ببكاء أهله عليه، إلَّا أنَّه وردَ عن ابن عمرٍ -رضي الله عنه- أنَّه قال: “إنَّ المَيَّتَ ليُعَذَّبُ ببكاءِ أهلِهِ عليهِ”،[1] وبناءً على هذا الحديث فقد ذهب مجموعةٌ من العلماء المعاصرين أمثال ابن تيمية وابن القيم وابن باز، إلى أنَّ الميتَ يشعرُ بمنْ يبكيَ عليه، وإنَّه ليحزن على حزنهم ويشفق عليهم،[2] إلَّا أنَّ السيدةَ عائشة -رضي الله عنها- قالت لابن عمر: “وهل إنما مرَّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ على قبرٍ فقال إن صاحبَ هذا القبرِ لَيعذَّبُ وإن أهلَه يبكونَ عليه ثم قرأت وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى”، فبيَّنت له أنَّ هذا الميِّت لم يكن يُعَّذب لبكاء أهله بل كان يعذَّب بسبب ذنوبه وعمله، وأنَّه يعذَّب في ذات الوقتِ الذي يبكيَ أهلَه عليه.

هل الميت يعذب بسبب بكاء أهله عليه

ذهبت السيدة عائشة -رضي الله عنها- إلى عدم تعذيب الميِّت بسبب بكاء أهله عليه؛ وحجَّتها في ذلك أنَّ ذلك يتعارض مع قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}، إلَّا أنَّ بعض العلماء ذهبوا إلى أنَّ الميت يعذَب بسبب بكاءِ أهله، وأنَّه لا تعارض بين الحديث والآية، وقد اختلفت طريقة العلماء في توجيه الحديث وبيان عدم تعارضه مع الآية، ولهم في ذلك طرق، وفيما يأتي ذكرها:[4]

 

  • أنَّه يعذب بذلك، في حال أنَّ البكاء كان من سنته وطريقته في حياته وكان قد أقرَّ أهله عليه.
  • أنَّه يعذب بذلك، في حال أنَّه قام بتوصية أهله بالبكاء عليه بعد موته.

هل يعذب الميت بمطلق البكاء عليه

إنَّ البكاء المقصود في حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنه وأرضاه-: “إنَّ المَيَّتَ ليُعَذَّبُ ببكاءِ أهلِهِ عليهِ”، ليس مطلق البكاء الذي يخفف الإنسان به عن نفسه، بل إنَّ المقصود به هو النياحة والبكاء بصوتٍ عالٍ ورفع الصوت فيه.

هل يسمع الميت كلام الأحياء

إنَّ هذه المسألة تعدُّ من المسائل التي اختلف فيها أهل العلم؛ حيث أنَّ بعض أهل العلم أثبتوا سماع الأموات للأحياء، ومنهم من أنكره، وفي هذه الفقرة من مقال هل يشعر الميت ببكاء أهله عليه، سيتمُّ بيان أقوال أهل العلم في ذلك، وفيما يأتي ذلك:

 

  • القول الأول: أنَّ الميت يسمع كلام الأحياء ويشعر بهم، وإلى ذلك ذهب جمهور الفقهاء، وقد استدلوا بعددٍ من الأدلة، وفيما يأتي ذكرها:
    • ما ورد في الصّحيحَين: أنّ النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- قال عن الميت إذا تركه أهله بعدما دفنوه: “إنَّ الميتَ إذا وُضِعَ في قبرِهِ، إنّهُ ليسمَعُ خَفقَ نِعالِهمْ إذا انصَرفوا، وفي روايةٍ: إنَّ العبدَ إذا وُضِعَ في قبرِهِ، وتَولّى عنهُ أصحابُهُ”، وفي هذا الحديث إشارةٌ واضحةٌ ومعلومةٌ صريحةٌ أنّ الميِت بعد أن يوضَع في قبره ويُهال التّراب عليه، ثمّ يغادر أهله وأحبابه قبره، فإنّه يسمع صوت نِعالهم وهم يغادرون القبر.
    • ما ورد في حديث خِطاب النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لِقتلى بدر من المشركين: فقد ورد في الصّحيح: “أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ترك قتلى بدرٍ ثلاثًا، ثمّ أتاهم فقام عليهم فناداهم، فقال: يا أبا جهلِ بنَ هشامٍ! يا أميّةَ بنَ خلفٍ! يا عتبةَ بنَ ربيعةَ! يا شيبةَ بنَ ربيعةَ! أليس قد وجدتم ما وعد ربُّكم حقًّا؟ فإنّي قد وجدتُ ما وعدني ربي حقّاً، فسَمِع عُمَرُ قول النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فقال: يا رسولَ اللهِ: كيف يسمعوا وأنّى يُجيبوا وقد جِيفوا؟ قال: والذي نفسي بيدِه ما أنتم بأسمعَ لِما أقول منهم، ولكنّهم لا يقدرون أن يُجيبوا، ثمّ أمر بهم فسُحِبوا، فأُلقوا في قليبِ بدرٍ)، فالنّاظر إلى كلام رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يجد صريحًا منه قوله بسماع الموتى كلامَ الأحياء، حين قال لعُمَر: “ما أنتم أسمع لِما أقول مِنهُم”، ولكنّه نفى عنهم صفة القدرة على الردّ على ما يسمعون، فأثبت السّماع لهم ونفى الكلام عنهم.
    • ثبت أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- كان يأمر الصّحابة بالسّلام على أهل القبور، ممّا يدلُّ على أنّهم يسمعون كلام الأحياء؛ إذ لو كانوا لا يسمعون لما أمر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بذلك، وإن أمر به في حال كونهم لا يسمعون كلام الأحياء لكان أمرُه لَغوًا وحاشى أن يكون في أمر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- لغوٌ أو شيءٌ بلا معنىً أو هدف.
  • القول الثاني: أنَّ الميت لا يسمع كلام أهله، وهذا مذهب السيدة عائشة -رضي الله عنها-  وقد وافقها في ذلك جماعةٌ من الحنفيّة وبعض العلماء المُعاصرين، مثل: ابن باز، وابن عثيمين، وغيرهما، وفيما يأتي دليلهم في ذلك:
    • قوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَىٰ وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ}.
    • قوله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ}.
    • أنَّ سماع أهل القليب للنبيّ عندما خاطبهم بعد معركة بدر فهي معجزةٌ خاصّةٌ بالنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وأنّ ذلك لا يصدق على غيره من الخَلق.
    • أنَّ حديث “يسمع خَفق نِعالهم حين يولّون عنه”، فقالوا: بأنّ هذا الأمر خاصّ بالميت عندما يوضع في القبر مباشرةً؛ حيث أنّ الرّوح تعود إليه حتّى يُحاسِبه المَلَكان.

هل يشعر الميت بالدود وهو يأكل جسد

من المعلوم أنَّ أجساد النَّاس بعد موتهم عرضةً لأن تبلى وتتحلل بعد موتهم، ودليل ذلك قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “ليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظماً واحداً، وهو عجب الذنب، ومنه يركب الخلق يوم القيامة”، باستثناء أجساد الأنبياء؛ حيث أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- حرم على الأرض أن تأكلها، لكن هل الميت يشعر بذلك؟ هذا ما سيتمُّ ذكره في هذه الفقرة، وفيما يأتي ذلك:[7]

 

  • إنَّ المسلم الصالح لا يشعر بتحلل جسده، لما في ذلك من تعذيبٍ له، وهذا يتنافي مع رحمة الله عزَّ وجلَّ.
  • إنَّ العصاة والكفار قد يشعرون بتحلل أجسادهم، وقد يكون ذلك عذابًا لهم، لما ثبت أن نعيم القبر وعذابه يلحقان الروح والبدن معاً كما هو اعتقاد أهل السنة.

هل الميت يعذب في قبره

اتفق أهل السنّة والجماعة من علماء المسلمين على حقيقة وجود عذاب القبر، وأنّ الإنسان في القبر إمّا أن يكون في نعيم أو في عذاب، وتلك هي الحياة البرزخيّة كما عبّروا عنها،[8] واستدلوا لذلك بعدة أدلة، وفيما ياتي ذكرها:

 

  • قول الله -عزّ وجلّ- في آل فرعون: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}، حيث قالوا إنّ آل فرعون على الرغم من موتهم يُعرضون على النّار غدوًّا وعشيًّا كما في الآية الكريمة، ممّا يدلّ على وجود عذاب القبر.
  • قوله تعالى: {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}، ومن المعلوم أنَّ البرزخ هو عذاب القبر أو نعيمه، وهو الحاجز الذي بين الحياة الدنيا واليوم الآخر.
  • ورد عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- من استعاذته من عذاب القبر في أكثر من موضع، ممّا يدلّ على وجوده وثباته، أمّا المعتزلة وبعض الطوائف الأخرى غير المعتبرة عند أهل السنّة أنكروا عذاب القبر وزعموا عدم وجوده.

 

وبذلك تمَّ الوصول إلى ختام هذا المقال، والذي تمَّت فيه الإجابة على سؤال هل الميت يشعر بمن يبكي عليه، كما تمَّ ذكر بعض الأمور الخاصة بأمر البكاءِ على الميِّت وحقيقة تعذيبه ببكاءِ أهلِه عليه وأقوال العلماء في ذلك، كما تمَّ الاحديث عن حقيقة سماع الميتِ للأحياء وشعوره بتحلل جسده وحقيقة عذاب القبر.

السابق
بحث عن من هو أول داعية في الإسلام
التالي
هل النقاب واجب على كل مسلمة

اترك تعليقاً