مقالة عن قيمة الدنيا والآخرة

مقالة عن قيمة الدنيا والآخرة

 

مقالة عن قيمة الدنيا والآخرة, قال الله تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (32)} [الأنعام: 32].

وقال الله تعالى: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17)} [الأعلى: 16 – 17].

الله عزَّ وجلَّ جعل لكل شيء زينة ومقصداً، فالنبات له زينة وهي الأوراق والأزهار،

ولكن المقصد الحبوب والثمار، والثياب لها زينة وهي الألوان والتفصيل، ولكن المقصد ستر العورة.

وكذلك الدنيا زينة، وكل ما عليها زينة، والمقصد الإيمان والأعمال الصالحة، والدنيا كلها زينة،

والمقصد الآخرة، وكل من نسي المقصد تعلق بالزينة:

{إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلوَهمْ أَيّهمْ أَحْسَن عَمَلًا (7) وَإِنَّا لَجَاعِلونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جرزا

(8)} [الكهف: 7، 8].

والأنبياء والرسل وأتباعهم يشتغلون بالمقاصد، وهي عبادة الله وحده لا شريك له،

وأهل الدنيا يشتغلون بالزينات

واللهو واللعب، ويغفلون عن المقصد، والله أمرنا أن نأخذ من الدنيا بقدر الحاجة، ونعمل للآخرة بقدر الطاقة،

وإذا تعارضت في حياتنا الزينات والأشياء مع المقصد وهو عبادة الله وحده، والدعوة إلى الله،

قدمنا ما يحب الله وهو عبادته، وطاعته وطاعة رسوله – صلى الله عليه وسلم -، والجهاد في سبيله،

ونشر دينه.
وقد خلق الله الجن والإنس لعبادته وحده لا شريك له كما قال سبحانه:

{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبدونِ (56) مَا أرِيد مِنْهمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيد أَنْ يطْعِمونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هوَ

الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)} [الذاريات: 56 – 58].

وهذه الدنيا مكان تكميل محبوبات الله من الإيمان والأعمال الصالحة.

فقد خلق الله الإنسان وجعله يمر بمراحل كما وأزمنة وأمكنة وأحوال،

وينتهي بالخلود إما في الجنة أو النار.

وهذه المراحل هي:

الأولى: بطن الأم: ومدة الإقامة فيها تسعة أشهر، والحكمة من البقاء فيها هذه المدة أمران:

أو تكميل خلق الأعضاء الداخلية .. والأعضاء الخارجية، والإنسان في هذه المرحلة غير مكلف.

الثانية: دار الدنيا: والإقامة فيها أكثر من الإقامة في بطن الأم،

والحكمة من البقاء فيها تلك المدة أمران: تكميل الإيمان،

وتكميل الأعمال الصالحة، وإذا أكمل العبد لله فيها ما يحب أكمل الله له في الآخرة ما يحب،

ثم يخرج من الدنيا مع عمله إلى الدار التي تليها.

الثالثة: دار البرزخ، وهي القبر، والقبر أول منازل الآخرة،

ويبقى فيه الإنسان حتى يكتمل موت الخلائق، كما وتقوم الساعة،

وهو على المؤمن روضة من رياض الجنة، وعلى الكافر حفرة من حفر النار، يبدأ فيه الجزاء،

ثم ينتقل منه إلى دار الخلود، إما في الجنة أو النار.
الرابعة: الدار الآخرة، وفيها الإقامة المطلقة، والنعيم المطلق كما للمؤمنين والعذاب الأليم للكافرين،

والحكمة من خلق هذه الدار تكميل الشهوات والملذات للمؤمنين جزاء أعمالهم الصالحة،

وعقوبة الكفار والظلمة بأشد أنواع العذاب، كل حسب عمله كما قال سبحانه:

{إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (15)} [الانفطار: 13 – 15].
وقد بين الله عزَّ وجلَّ قيمة الدنيا بالنسبة للآخرة، وقيمة الآخرة بالنسبة للدنيا في كثير من آيات القرآن والسنة النبوية:
فقيمة الدنيا الذاتية: بينها الله سبحانه بقوله: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64)} [العنكبوت: 64].
وقال سبحانه: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5)} [فاطر: 5].

وقيمة الدنيا بالمساحة: بينها النبي – صلى الله عليه وسلم – بقوله: «مَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» أخرجه البخاري (1).
وقيمة الدنيا بالنقد: بينها النبي – صلى الله عليه وسلم – كما قال جابر – رضي الله عنه – مرَّ رَسولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – بِجَدْيٍ أسَكَّ مَيِّتٍ، فَتَنَاوَلَه فَأخَذَ بِأذُنِهِ، ثُمَّ قَالَ: «أيُّكُمْ يحب أنَّ هَذَا لَه بِدِرْهَمٍ؟» فَقَالُوا: مَا نُحِبُّ أنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ، وَمَا نَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: «أتُحِبُّونَ أنَّهُ لَكُمْ؟» قَالُوا: وَاللهِ! لَوْ كَانَ حَيّاً كَانَ عَيْبًا فِيهِ؛ لأنَّهُ أسَكُّ، فَكَيْفَ وَهُوَ مَيِّتٌ؟ فَقَالَ: «فَوَاللهِ! لَلدُّنْيَا أهْوَنُ عَلَى اللهِ، مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ» أخرجه مسلم (2).
وقيمة الدنيا بالوزن: بينها النبي – صلى الله عليه وسلم – بقوله: «لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللهِ جَنَاحَ

بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ» أخرجه الترمذي (3).
وقيمة الدنيا بالكيل: بينها النبي – صلى الله عليه وسلم – بقوله: «وَاللهِ مَا الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا مِثْلُ مَا

يَجْعَلُ أحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ هَذِهِ (وَأشَارَ يَحْيَى بِالسَّبَّابَةِ) فِي الْيَمِّ، فَلْيَنْظُرْ بِمَ تَرْجِعُ» أخرجه مسلم (4).
أما قيمة الدنيا الزمنية: فقد بينها الله عزَّ وجلَّ بقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38)} [التوبة: 38].
إن جميع ما أوتيه الخلق من الذهب والفضة، والطير والحيوان، والأمتعة والنساء، والبنات والبنين، والمآكل والمشارب، والجنات والقصور، وغير ذلك من ملاذ الدنيا ومتاعها، كل ذلك متاع الحياة الدنيا وزينتها، يتمتع به العبد وقتاً قصيراً، محشواً بالمنغصات، ممزوجاً بالمكدرات، ويتزين به الإنسان زماناً يسيراً للفخر والرياء، ثم يزول ذلك سريعاً، ويعقب الحسرة والندامة: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ (60)} [القصص: 60].
فما عند الله من النعيم المقيم، والعيش الهني، والقصور والسرور خير وأبقى في صفته وكميته، وهو دائم أبداً.
فهل يستفيد الإنسان من عقله؟ ليعلم أي الدارين أحق بالإيثار؟ .. وأي الدارين أولى بالعمل لها؟.

فإذا كان العقل سليماً، والقلب صافياً، آثر الآخرة على الدنيا، وما آثر أحد الدنيا إلا لنقص في عقله:

{أَفَمَنْ وَعَدْنَاه وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاه مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدّنْيَا ثمَّ هوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمحْضَرِينَ

(61)} [القصص: 61].
فهل يستوي مؤمن ساع للآخرة سعيها، قد عمل على وعد ربه له بالثواب الحسن كما الذي هو الجنة، وما فيها من النعيم العظيم، فهو لاقيه بلا شك؛ لأنه وعد من كريم صادق الوعد، لعبد قام بمرضاته، وجَانَبَ سخطه؟.
فهل يستوي هذا ومَنْ متَّعه الله متاع الحياة الدنيا، فهو يأخذ فيها ويعطي، ويأكل ويشرب،

ويتمتع كما تتمتع البهائم، قد اشتغل بدنياه عن آخرته، لم ينقد لرب العالمين، ولم يهتد بسنن سيد المرسلين، فلم يقدم لنفسه خيراً، وإنما قدم على ربه بما يضره؟.

فليختر العاقل لنفسه ما هو أولى بالاختيار، وأحق الأمرين بالإيثار؟.

{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) بَلْ تؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَة خَيْرٌ وَأَبْقَى

(17)} [الأعلى: 14 – 17].

السابق
مقالة حول الصّلِةُ المتينة الدَّائمة بَيْن الدِّين وَ المدينَّة وَالمجتمع
التالي
قصة محبّة الله أكبر من محبّة الأم

اترك تعليقاً