لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153]. ولئلا تزِلَّ قدمٌ بعد ثبوتها، فتأخُذَ ذاتَ اليمين، أو ذات الشمال، وأداءً لحقِّ
النّصح، وقيامًا بواجب التواصي بالحقِّ، كان لا بدَّ من التنبيه والتذكير، والذكرى تنفَع المؤمنين. الصوم
جنَّة: والجنَّة الوقاية؛ فالصائم على التحقيق في وقايةٍ من شرور الدنيا والآخرة؛ فهو يضبط الشهوة
وينظِّمها، ويريح البدنَ ويقوِّيه، ويهذِّب الأخلاق ويقوِّمها، ويدرِّب النفس على قوة الإرادة ويزكِّيها، ويباعد
صاحبه عن النار في كل يومٍ سبعين خريفًا، ولا يكون الصيام كاملًا حتى يكون لجميع الجوارح؛ فالعينان
تصومان عن النظر الحرام، والأذنان تصومان عن سماع الفحش والخنا وما لا يرضي الله، واللسان يصوم
عن قول الزور، والقلب يصوم عن خطَرات السوء وخيالات الهوى، واليدان تصومان عن البطش والأذى، والرِّجلان تصومان عن المشي في معصية أو خطيئة. وعلينا أن نأخذ أنفسنا بالحزم، وننصح لأهلينا وإخواننا، فلا نفسد صومنا بشيءٍ مما يُغضِب الله، ولا نترك الإنكار في موطن تُنتهك فيه حرمات الله، ولا نتوانى عن التذكير بحقيقة الصيام؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: «من لم يدَعْ قول الزُّور والعمل به، فليس لله حاجةٌ في أن يدعَ طعامَه وشرابَه»، وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «رُبَّصائمٍ حظُّه من صيامه الجوعُ والعطش». رمضان ومواقع التواصل الاجتماعي: من البلاء الذي عمَّ وطمَّ سوءُ استخدام التقنية الحديثة، وعدم تسخيرها فيما نفع وحلَّ فقط، وإن كثيرًا من أبناء الأمة يُضيعون أعمارهم أمام شاشات التلفاز والحاسوب، فالمسلسلات، والأفلام، والبرامج الرمضانية، ومتابعة تعليقات الفيس بوك، والتغريد على التويتر، والتواصل غير المنضبط على الواتس أب، يستهلك الساعات بعد الساعات، مع ما قد يصاحب ذلك من نظرٍ لا يحلُّ، وكلامٍ لا يَحسُنُ. إنَّ أيام رمضان ولياليَه غنيمةٌ، على المسلم أن يظفرَ بها، والخاسرُ المحروم مَن أدرك رمضان وخرَج منه كما دخل عليه، والأسوأ من ذلك مَن يكون بعد الشهر شرًّا مما كان قبله؛ قال – عليه الصلاة والسلام -: «إن جبريلَ عَرَضَ لي، فقال: بَعُدَ مَن أدرك رمضان فلم يُغفَر له، فقلتُ: آمين». والكيِّسُ الفَطِن من يُحدِّد أوقاتًا لمتابعة مواقع التواصل الاجتماعي، مستغلًّا ذلك في نشر الخير، وإنكار الشر، فكم من تعليق في الفيس بوك صحَّح مفهومًا عَقَديًّا، أو نبَّه على خطأٍ شرعيٍّ، أو ذكَّر بسنَّةٍ مهجورةٍ، أو حثَّ على عمل خيرٍ، وكم من تغريدة قرَّبت من الله بعيدًا، وبعَّدت عن المعصية قريبًا، وأنقذت من الغفلة نفسًا، وأغمدت للباطل سيفًا! وما أجمل أن يكون لدينا طائفةٌ من الآمِرينَ بالمعروف والناهين عن المنكر إلكترونيًّا، ينشطون في شهر رمضان؛ لنشر المقاطع الصوتية والمرئية للعلماء والدعاة في شرح أحكام الصيام، وصدقة الفطر، وصلاة التراويح، ومقالاتهم في ترقيق القلوب، والإقبال على الله، ونصائحهم في التحذير من التفريط في رمضان، أو تضييعه. صوم الطاعة وفطر المعصية: الخروج من الطاعة لا بدَّ أن يكون بطاعةٍ؛ شكرًا لله على ما وفَّق إليه من طاعته، أما من يَصِلُ الطاعة بمعصية، ويتبِعُ الخيرَ شرًّا، فقد أسرف على نفسه، وفرَّط في جنبِ ربِّه، فلا يليق بمن امتنع عن الطعام والشراب نهارًا كاملًا في شدة الحرِّ إيمانًا واحتسابًا أن يُفطِر على ما حرَّم الله، ولا يحلُّ له بعد الإمساك عن الطيبات طاعةً أن يبدأ فطره بشيء من الخبائث، والدَّخِينَةُ “السيجارة” منها لا محالة. فيا من ابتليتَ بالتدخين، رمضانُ فرصةٌ للأَوبة والتوبة، وتركِ هذا البلاءِ المضرِّ بالصحة، والمغضب لله عز وجل، فخُذ بالعزم والجد، واتخذْ قرارًا بتركه، وكن قدوةً في الخير، وأنكر على كل مدخنٍ، وتفقَّد أهلك وجيرانك وأصحابك وأحبابك، وأَعِنْهم على أنفسهم بالنصح والتذكير، وكل من عافاه الله من هذه البلية عليه أن يكون عونًا للمدخنين حتى يقلعوا عنه. والنبي -صلى الله عليه وسلم- كان يفطر على رطبات أو تمرات، فإن لم يجد فحسَوات من ماء، وشتَّان بين من يفطر على تمرٍ حلْو وماء طَهور متَّبِعًا، وبين من يفطر مصطليًا بنار دَخِينَته عاصيًا. شهر صيام لا شهر طعام: الإسراف مذموم شرعًا وعقلًا، ومن المنكَرات المنتشرة بين الناس تحويلُ رمضانَ لشهرِ سَرَفٍ وترفٍ وهدرٍ للنعم؛ فكثيرة الولائم التي تقام في رمضان تضمُّ فيها الموائد أصنافًا وألوانًا، ثم يرفع الصائمون أيديَهم، وقد بقيَ أضعافُ ما أُكِلَ ليُرمى في القمامة بعد ذلك، وبين المسلمين مَن لا يجد إلا خبزًا وماءً يفطر عليه. إن التوسع في الطعام والشراب في ليل رمضان، وتضييع حق الفقراء والمحتاجين، ليس من الإسلام في شيء، فما الغاية من صوم رمضان أن نجوعَ في النهار لنُتخَمَ في الليل، بل هو صوم يُكسِبُ المرءَ خُلُقَ التقوى، وليس من التقوى أن نسكُتَ عن سَرَفٍ يُضِرُّ بالفقير، ويسوء الجائع. وعلى كل من حضر وليمةً أو دعوةً فيها معصية من إسراف أو تبذير أن ينصح بالحسنى، ويذكِّر بسنة النبي – عليه الصلاة والسلام – وكيف كان عيشه كفافًا. خروج النساء للتراويح: شهود النساء صلاةَ التراويح في المساجد جائزٌ شرعًا، وصلاة المرأة في بيتها خيرٌ لها، ولا يحلُّ لها أن تخرج بشيءٍ من الزينة أو العِطر، وعليها أن ترتديَ اللباسَ الساترَ الشرعيَّ الذي لا يصفُ عورةً أو يشفُّ عنها، مع الحشمة والحياء في المشي عند الدخول والخروج؛ لقوله – عليه الصلاة والسلام -: «لا تمنَعوا إماءَ الله مساجدَ الله، وليخرُجْنَ تَفِلاتٍ»، ومعنى “تَفِلات”؛ أي: غير متطيِّبات. وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «أيُّما امرأةٍ أصابت بَخُورًا، فلا تشهدَنَّ معنا العشاءَ الآخِرَةِ». قال الإمام الشوكاني في “نيل الأوطار”: “فيه دليلٌ على أنَّ خروج النساء إلى المساجد إنما يجوز إذا لم يصحَبْ ذلك ما فيه فتنة، وما فيه تحريك الفتنة، نحو: البخور، وقال: وقد حصل من الأحاديث أنَّ الإذنَ للنساء من الرجال إلى المساجد إذا لم يكن في خروجهنَّ ما يدعو إلى الفتنة من طيبٍ أو حليٍّ أو أيِّ زينةٍ”؛ انتهى. وعلى كل وليٍّ أن ينصح لكل امرأةٍ تحت ولايته، بنتًا، أو زوجةً، أو أختًا، فلا يأذن لها إلا عند الالتزام بالشروط الشرعية، وكذلك النساء في المساجد عليهنَّ بذلُ النصحِ لكل من أخلَّت بشرطٍ من هذه الشروط، وعدمُ السكوت؛ اتقاءً للفتنة، وسعيًا في مرضاة الله – عز وجل. النوم عن الصلاة: روى مالك في موطَّئه أن عمر بن الخطاب فَقَدَ سليمانَ بنَ أبي حَثْمَة فِي الصُّبحِ يومًا، فمرَّ على بيته يسألُ عنه، فقالت أمه: إنَّه باتَ يصلِّي فَغَلَبَتْهُ عيناه، فقال عمر: لَأَنْ أَشهَدَ صلاةَ الصُّبحِ فِي الجماعة أَحَبُّ إليَّ من أن أقومَ ليلةً. فهذا عمر ينكر التخلُّف عن جماعة الصبح بسبب السهر للصلاة، فكيف به لو رأى ما يجري في أيامنا من النوم عن الصلاة حتى يخرج وقتها؛ بسبب السهر على المباحات من قيل وقال، أو على المحرمات والعياذ بالله؟ فحَريٌّ بالمسلم أن يستغلَّ ليل رمضان بالذكر والتلاوة والقيام والدعاء، مع نوم يعينه على قضاءِ أعماله في النهار، وشهودِ الصلوات مع الجماعة في المساجد، أما من ينام النهار كله، ولا يقوم إلا للصلاة في بيته، ثم يرجع لنومه، فقد فاته خيرٌ كبيرٌ، وفضلٌ عظيمٌ، وقصَّر بواجبِ الصلاة جماعةً إن كان من أهل الوجوب، ولم يستشعر لذة الصوم في نهار رمضان. القول على الله بلا علم: مجالس رمضان يجتمع
فيها الأهل والأصحاب، وكثيرًا ما يسأل سائلٌ عن بعض أحكامٍ رمضانيةٍ تتعلق بالصوم أو التراويح أو غير
ذلك، وكثيرًا ما يتصدَّى للجواب والكلام مَن ليس بأهلٍ لذلك؛ حرصًا منه على الخير، أو جرأةً على الكلام
بلا علم، وحريٌّ بالمسلم ألَّا يتوجهَ بالسؤال إلا لأهل العلم والفتوى؛ قال -تعالى-: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ
إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]. ويجب على كل مسلم ألَّا يتكلَّم في دين الله إلا بعلمٍ، لِيَسْلَمَ من
المؤاخذة، ولئلا يضلَّ أحدٌ بخطئه؛ فالقول على الله بلا علم من كبائر الذنوب؛ قال – عز وجل -: