معلومات عن بيعة الرضوان

معلومات عن بيعة الرضوان

معلومات عن بيعة الرضوان

معلومات عن بيعة الرضوان … البيعة (لغة): الصفقة المعقودة في البيع، وقد أطلق هذا المسمى على مبايعة الصحابة للنبي؛ لأنهم بذلوا أنفسهم نصرة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سبيل الدعوة إلى توحيد الله

 

سبب بيعة الرضوان

توضّح سيرة الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- جمالياتٍ أثمرت زهوراً في تاريخ الدولة الإسلاميّة في المدنية المنوّرة؛ فبعدما استقرّ حال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وصحابته -رضي الله عنهم-، والمسلمين عامّةً، اشتاقت قلوبهم إلى ديارهم المكيّة، وتاقت نفوسهم إلى ذكريات مكّة الأمّ؛ فهذا النبيّ الكريم يُريه الله -عزّ وجلّ- رؤيا حقٍّ في منامِه ثمثّلت في أنّه كان يَشُدّ رِحاله معتمِراً مع أصحابه إلى مكّة المكرّمة، ويطوف بالكعبة المشرّفة، فأخبر أصحابه بذلك، وأمرهم أن يتأهّبوا لشَدّ ركاب السفر إلى مكّة المكرّمة، فتجهّزوا للرحلة، واستخلف على مدينة ابن أمّ مكتوم -رضي الله عنه-، آخذاً معه أمّ المؤمنين أمّ سلمة -رضي الله عنها-، وانطلقوا إلى العمرة في ما يفوق ألف رجلٍ دون سلاح الحرب، وبسلاح السفر فقط.

 

موقف قريش من خروج المسلمين

عَلِمَت قريش في تلك اللحظات بأخبار النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- والمسلمين بشأن خروجهم إلى مكّة، فأعدّت العدّة وعقدت جلسةً جماعيّةً تقضي بدفع المسلمين عن مكّة، وعدم السماح لهم بدخولها، وأرسلت مبعوثيها إلى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-؛ كي يتراجع عن قراره في دخول مكّة، إلّا أنّ بعض شباب قريش قرّروا التهيّؤ لقتال المسلمين، وإشعال الحرب؛ فما كان منهم إلّا أن تسلّلوا بغتةً إلى مكان تجمّع المسلمين، وأثاروا دوّامة الشرار، فتمّ صدّهم وأسرهم، حتّى جاءهم عفو النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بإطلاق سراحهم؛ لأنّه كان ينوي خيراً بالتّفاوض مع قريش، والوصول إلى حلٍّ يُرضي الطّرفين.

 

خروج عثمان إلى قريش

اختار النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أحد صحابته؛ ليكون سفيراً إلى قريش؛ للتفاوض معهم وإقناعهم في أمر دخول بيت الله الحرام أداءً للعمرة
فاختار ابتداءً عمر -رضي الله عنه-، إلّا أنّه اعتذر لافتقاره إلى من ينصره من أهله في مكّة، فاختار النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عثمان
لمكانته -رضي الله عنه- عند قريش وأهلها، وبعثه إليهم سفيراً يخبرهم بنوايا المسلمين في أداء نسك العمرة، والطواف بالبيت
وأمره أن يدخل إلى رجالٍ مؤمنين ونساءٍ مؤمنات في مكّة، ويبلغهم بنصرة الله -تعالى- لدينه، ولنبيّه، وللمسلمين
فدعا -رضي الله عنه- قريش إلى الإسلام كما أوصاه النبيّ، إلّا أنّهم رفضوا، وسَمَحوا لعثمان أن يطوف بالكعبة وحده
فأبى إلا أنْ يطوف مع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أوّلاً، فاحتجزوه أسيراً عندهم؛ إِمعاناً منهم في الرفض، والصدّ، والمجابهة، وطالت غيبة عثمان -رضي الله عنه- حتى أشِيع خبر مقتله.

 

خبر مَقْتل عثمان

وصل النبأ إلى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، فدعا صحابته -رضي الله عنهم-، وثار الكلام بينهم حتى تمّت البيعة على الجهاد في سبيل الله
إعلاءً لكلمة الحقّ والدين، فأخذ الصحابة -رضي الله عنهم- يبايعون النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- واحداً تِلو الآخر على الموت في سبيل الله -تعالى
وأثنى الله -عزّ وجلّ- عليهم في كتابه، ورضي عنهم؛ فقال -عزّ وجلّ-:
(لَّقَدْ رَضِيَ اللَّه عَنِ الْمؤْمِنِينَ إِذْ يبايِعونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قلوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهمْ فَتْحًا قَرِيبًا)، وبسبب الثناء والرضا الواردَين في القرآن الكريم للصحابةِ الكرام، تمّت تسمية تلك البيعة ببيعة الرضوان -كما ذكِر سابقاً-.

 

شروط بيعة الرضوان

بايع المسلمون رسولهم -صلّى الله عليه وسلّم- على عدم التولّي عند نداء الموت للجهاد في سبيل الله -تعالى
مهيّئين أنفسهم للنصر المبين، أو الشهادة لله ربّ العالمين
ثم بلغ عدد المبايعين تحت الشجرة ما يقارب ألفاً وأربعمئةٍ، وقِيل ألفاً وخمسمئة مبايعٍ
وأما الشجرة التي تمّت تحتها بيعة الرّضوان فقد اندثرت وزال أثرها، وذكر ابن حجر أنّ الرّوايات بشأنها تشير إلى أحد أمرين:
الأول: أنّ الله تعالى أنسى الصحابة مكانها وأخفاه عنهم، وقد عمّيَ مكانها على من قصدها بعد البيعة
والثاني: أنّ عمر -رضي الله عنه- بلغه أنّ قوماً يأتون الشجرة فيصلّون عندها؛ فأمر بقطعها؛ فقطعتْ حتى لا يُفتتن النّاس بها.

 

الصحابة في بيعة الرضوان

تجلّى دور الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- في مُجريات بيعة الرضوان المباركة بصورةٍ جلّيةٍ، فبعدما أشِيع مقتل عثمان -رضي الله عنه-، دعا النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أصحابه الكرام، آخذاً منهم البيعة على قتال الشرك وأهله؛ ومن مواقف الصحابة التي تجلّت في البيعة ما يأتي:

  • الصحابيّ معقل بن يسار: يروي هذا الصحابيّ أنّه كان ممّن قام فيهم النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم
    داعياً إلى البيعة تحت ظِلّ الشجرة
    في جمعٍ غفير من الناس بايعوا النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- على عدم الفرار
    وموقفه المبارك يومئذٍ يتمثّل برفعه لغصنٍ من أغصان الشجرة عن رأس رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-.
  • والصحابيّ أبو سنان الأسدي: يُروى أنّه كان أوّل من بايع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، قائلاً:
    “ابسط يدك أبايعك”، فبايعه على نفسه في سبيل الله -تعالى-، وسار الناس بعده يبايعون النبيّ على بيعة أبي سنان الأسديّ.
  • الصحابيّ سلمة بن الأكوع: يروى عن هذا الصحابيّ أنّه كان واقفاً عند الشجرة حيث الناس يبايعون النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- واحداً واحداً
    فبايع أوّل الناس، وأوسطهم، وآخرهم، وقال له النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في الآخرة: “يا سلمة ألا تبايع”، فردّ قائلاً:
    “يا رسول الله لقد بايعت في أوّل الناس وأوسطهم”، حتى بايعه البيعة الثالثة.
  • بيعة النبيّ لنفسه عن عثمان: فقد بايع النبيّ -عليه الصلاة والسلام- نفسه بيده اليمنى عن عثمان ضارباً بيده الأخرى
    ذلك أنّ عثمان لو كان فيهم تحت الشجرة، لبايع النبيّ ولما تردّد في ذلك، فتغيّبه عن البيعة كان بسبب إشاعة مقتله، ولم يكن رجل في بطن مكّة وشِعابها يستطيع القيام بتلك المهمّة إلا عثمان.
  • الصحابيّ عمر بن الخطاب: بايع عمر -رضي الله عنه- النبيّ بعدما علِم بأمر البيعة مباشرةً
    فانطلق ذاهباً إلى البيعة على فرسٍ أعاده إليه ابنه عبدالله بعدما أخبره أنّ الناس يبايعون النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عند الشجرة، فكان ممّن بايع -رضي الله عنه-.

 

نتائج بيعة الرضوان

ممّا أظهرته بيعة الرضوان اتّحاد المسلمين يداً بيدٍ؛ نصرةً للحقّ والإيمان، ورَفعاً لراية توحيد الله
ودَرءاً لأذى قريش ونواياها، فأبانت جميل إخلاص المسلمين فيما بينهم وقت الشّدة، فكانوا على قلب رجلٍ واحدٍ
إنقاذ عثمان، وتقديم أرواحهم حبّاً لله -عزّ وجلّ-، وتأديةً لواجب محبّتهم لنبيّهم الكريم -صلّى الله عليه وسلّم-، فأينعت قلوبهم بالإخاء والمعاضدة والموت في سبيل الله
ومن المعلوم أنّ قريشاً كانت تهاب المسلمين، وتخشى من اتّحادهم على الحقّ والخير
فاهتمّت كلّ فئةٍ منهم بعملٍ معيَّن، وافترقوا إلى عدّة آراءٍ، وهي:

  • ذهب أهل الرأي فيهم إلى إبرام عقد الصلح مع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، ومع المسلمين.
  • رأت الفئة الثانية إشعال نار الفتنة والحرب بين الفريقَين، فهبطوا على المسلمين ليلًا على حين غِرّةٍ وغفلةٍ من المسلمين من فوق جبل التنعيم
    وكانوا بحدود ثمانين رجلاً، إلّا أنّ قوّة المسلمين بقائد حرسهم الصحابي محمّد بن سلمة -رضي الله عنه- أوقعت بهم جميعاً
    وأخلى الرسول سبيلهم
    فنزل قول الله -تعالى-: (وَهوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهمْ عَنكمْ وَأَيْدِيَكمْ عَنْهم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّـه بِمَا تَعْمَلونَ بَصِيرًا).

 

فضل أهل بيعة الرضوان

يتمثّل فضل أهل بيعة الرضوان بثلاثة أمورٍ، بيانها فيما يأتي:

  • ثناء الله -تعالى- عليهم بحصولهم على رضاه؛ حيث قال -تعالى-:
    (لَّقَدْ رَضِيَ اللَّـه عَنِ الْمؤْمِنِينَ إِذْ يبَايِعونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قلوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهمْ فَتْحًا قَرِيبًا*وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخذونَهَا وَكَانَ اللَّـه عَزِيزًا حَكِيمًا*وَعَدَكم اللَّـه مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخذونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ وَلِتَكونَ آيَةً لِّلْمؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكمْ صِرَاطًا مسْتَقِيمًا*وَأخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّـه بِهَا وَكَانَ اللَّـه عَلَى كلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا).
  • ثم دخولهم الجنان، وعِتقهم من النيران؛ ثواباً لموقفهم مع الرسول -عليه الصلاة والسلام-
    وذلك لما أخبر به النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-
    من أنّه لا يدخل أحد من أهل البيعة النار، وفي ذلك أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أمّ مبشر الأنصاريّة -رضي الله عنها
    أنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- قال:
    (لا يَدْخل النَّارَ، إنْ شاءَ اللَه، مِن أصْحابِ الشَّجَرَةِ أحَد، الَّذِينَ بايَعوا تَحْتَها قالَتْ: بَلَى، يا رَسولَ اللهِ، فانْتَهَرَها، فقالَتْ حَفْصَة: {وَإنْ مِنكم إلَّا وارِدها} فقالَ النبي صَلَّى اللَه عليه وسلَّمَ: قدْ قالَ اللَّه عزَّ وجلَّ:
    {ثمَّ ننَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا ونَذَر الظّالِمِينَ فيها جِثِيًّا}).
  • ثم انهم خير أهل الأرض، كما ثبت في صحيح الإمام البخاري عن الصحابي جابر بن عبدالله -رضي الله عنه-:
    (قالَ لَنَا رَسول اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلَّمَ يَومَ الحدَيْبِيَةِ:
    أنتمْ خَيْر أهْلِ الأرْضِ وكنَّا ألْفًا وأَرْبَعَ مِئَةٍ، ولو كنْت أبْصِر اليومَ لَأَرَيْتكمْ مَكانَ الشَّجَرَةِ تَابَعَه الأعْمَش، سَمِعَ سَالِمًا، سَمِعَ جَابِرًا ألْفًا وأَرْبَعَ مِئَةٍ)

    فقد بلغوا أعظم الرضا من ربّهم، واستحقّوا هذه المكانة العليّة التي خلّدها القرآن الكريم
    بمن فيهم نبيّهم -صلّى الله عليه وسلّم
    وقد نالوا هم وأصحاب غزوة بدر تلك السكينة والمغفرة من الله -سبحانه-.

 

العِبرة من بيعة الرضوان

برزت عِبر ودرَر بيعة الرضوان بمنتهى التميز والإجلال؛ فالمسلمون الذين بايعوا الله -تعالى- على الموت في سبيله
رسّخوا مفاهيم الإخلاص، وتعاليم الثبات بأصدق ممّا قد يتخيّله المسلم
فكانت موازين عدلٍ ونورٍ للبشريّة جمعاء، وممّا برز من تلك العِبر والدروس ما يأتي:

  • بيّنت البيعة أعظمَ مقصودٍ في حياة المؤمن؛ بأن تكون حياته خالصةً لله
    بجميع الأفعال والأقوال، وقد أظهر أصحاب البيعة أجلَّ معاني البِرّ، والتضحية
    والبذل في سبيل رضا الله، وهذا المقصود هو أصل إيمان المؤمن
    ثم تنبني عليه جميع المعادلات الربّانية الخالصة لله -سبحانه-
    فحياته، ومماته، وعبادته لله رب العالمين؛ فهو حين يقوم لله بقلبه يكسب العزيمة والثبات في شتّى مواقف حياته
    فيسمو قلبه لله -تعالى- مُعلناً تماماً عن غايته العظمى
    تحقيقاً لقول الله -تعالى-: (قلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنسكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
    وذلك ما فعله أهل البيعة -رضي الله عنهم-؛ إذ قاموا بقلوبهم لله رب العالمين
    متناسين الحياة بما فيها من ملّذات وشهواتٍ
    ولذلك كتب الله لهم الفتح؛ لصِدقهم، وسَمّى صلح الحديبية بالفتح المبين، قال -تعالى-: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مبِينًا).
  • إشعال الرعب في قلوب قريش في مكّة، وزلزلتهم، فقد كان قرار المسلمين في البيعة أكيداً لا رجعةَ عنه
    واختاروا الموت في سبيل الله، وعلى الرغم من أنّهم لا سلاح معهم للقتال إلّا سلاح السفر المتواضع
    إلّا أنّهم أحبّوا الموت على أن يتراجعوا، فأيّ قومٍ يمكن مجابهتهم
    وهم الذين أرادوا الموت لا الحياة؛ فكان حرصهم على الموت كحرص عدوّهم على الحياة.
  • ثم إبرام قرار الموت مع أنفسهم؛ فقد اختار المسلمون الموت ولم يموتوا، فكانت لهم الحياة دون الموت
    ووهِبت لهم الحياة من جديدٍ، وبنصرةٍ وتمكينٍ عظيمَين.
السابق
طريقة حساب مؤخر الصداق
التالي
تفسير قوله تعالي: إن كيدكن عظيم

اترك تعليقاً