ما هي اسباب الهجرة إلى الحبشة

ما هي اسباب الهجرة إلى الحبشة

ما هي اسباب الهجرة إلى الحبشة … أمر الله سبحانه وتعالي بهجرة الرسول الأولى من مكة إلى الحبشة بعد ان اشتد ايذاء المشركين والكفار على المسلمين في بداية الدعوة

 

وقد خرجوا خفية حتى وصلوا البحر؛ فركبوا السفينة باتجاه الحبشة، وعندما علمت قريش بخبرهم تبعتهم، لكنهم كانوا قد ساروا برعاية الله، ووصلوا الحبشة وأقاموا فيها آمنين بقية رجب وشعبان ورمضان، ثم وصلتهم أخبار أنّ أهل مكة قد أعلنوا إسلامهم؛ فطفقوا عائدين، وعند مشارف مكة تبيّن لهم أنّ الأمر ليس كذلك، وأنّ أذى المشركين يزداد على الدعوة ومن آمن بها؛ فاختار بعضم الدخول إلى مكة تسلّلاً، ودخل بعضهم بجوار أحد، واختار بقيّتهم العودة إلى الحبشة.

ملخّص الفقرة: كانت الهجرة للحبشة أول هجرة في الإسلام، وذلك بعد أن اشتدّ أذى المشركين بالمسلمين، فحثّهم النبي على الذهاب للحبشة لوجود الملك العادل فيها، ثم سمعوا بإسلام أهل مكة، وعندما رجعوا وجدوا أنّها شائعة، فدخل بعضهم مكة وعاد بعضهم الآخر للحبشة.

 

الهجرة الثانية إلى الحبشة

رجّح بعض المحققين المعاصرين أنّ أحداث الهجرة الثانية إلى الحبشة كانت في أواخر العام العاشر وبداية العام الحادي عشر من البعثة،[٥] وقد كانت قريش قد ضاعفت أذاها على المسلمين الممتحنين في دينهم وأنفسهم؛ فأمرهم النبيّ صلى الله عليه وسلم مجدّداً بالخروج إلى الحبشة؛ فخرج نحو بضع وثمانين رجلاً وثماني عشر امرأة، وكان من الرجال جعفر بن أبي طالب وزوجته أسماء بن عميس.

وبعد خروجهم لم يبقَ مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا عدد قليل ممّن أسلموا معه في مكة، وكان جعفر -رضي الله عنه- أميرهم في هذه الهجرة، أمّا المهاجرون فكانوا بمجموعهم يشكّلون تنوّعاً لكل طبقات المجتمع المكي؛ ففيهم الغني والفقير، والرجال والنساء، والكهول والشباب؛ ممّا يعطي انطباعاً بقوة تأثير الدعوة على النّاس رغم كل ما واجهها من تحديات.

يتلخّص مما سبق أن الهجرة الثانية للحبشة كانت بعد أن صار أذى المشركين مضاعفاً على المسلمين، فخرجوا للحبشة رجالاً ونساءً وشيوخاً، وكان عددهم 82 رجلاً و18 امرأةً تقريباً.

 

أسباب الهجرة إلى الحبشة

تعذيب قريش للمسلمين

بعد مرور ما يُقارب الخمس سنوات من الدعوة السرّية، وبَذل قريش ما بوسعها؛ من أجل إيقاف هذه الدعوة، والوقوف في طريقها، ومع ثبات رسول الله وأصحابه، بدأت قريش تنهال على المسلمين بكلّ ما تملكه؛ بهدف تعذيبهم، وما كان منهم إلّا أن صبروا على هذا العذاب، إلّا أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كان مُحاطاً بحماية من قومه، وعمّه أبي طالب، فلم يصل إليه ما وصل أصحابَه من العذاب، ولم يكن يملك حمايتهم ممّا هم فيه.

ثمّ بتفكير من رسول الله، وتأييد من الوحي، جاء الإذن بالهجرة من مكّة؛ لتكون فترة يستريح بها الصحابة ممّا هم فيه، ويكملوا مسيرتهم في نَشر الإسلام، قال -تعالى-: (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ)،فاقترح رسول الله أرض الحبشة؛ لما فيها من عَدلِ حاكمها، وصِدقه إلى أن يجعل الله لهم فرجاً ومخرجاً، فخرجت مجموعة من الصحابة إلى الحبشة، وكانت هذه الهجرة أوّلَ هجرة في الإسلام، علماً بأنّ الحبشة اسمٌ نُسِب إلى الأرض؛ بسبب الناس الذين كانوا يعيشون في تلك المنطقة، وهم الأحباش، وهي الآن تمثّل دولة إثيوبيا.

 

الحرص على حماية الإسلام

كان المسلمون آمنين في ظلّ النجاشي، أمّا ما تحقّق من نتائج لهذه الهجرة فهو ما كان إلّا دليلاً على حِنكة رسول الله، وحِكمته في تدبير شؤون قومه، ويمكن إجمال أسباب الهجرة بعدّة أمور، منها:

  • الابتعاد عن الظلم الذي كانوا يعانون منه.
  • تجنُّب الوقوع في الردّة.
  • تنشيط الحركة التجارية، والعمل بالتجارة.
  • تأمين المساعدة في المجال العسكريّ من قِبل الأحباش.

ولم تقتصر الهجرة على المُستضعفين، والفقراء الذين كانوا في مكّة، بل كان أكثرهم ممّن لهم المال، والحماية، والقوة فيها، كعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وهذا من أهمّ الأدلّة على أنّ السبب الرئيسيّ للهجرة لم يكن ضعف المسلمين، وتعرُّضهم للأذى من قِبل قريش فقط، وإنّما كانت هناك أسباب أخرى دفعتهم إلى ذلك، وقد عدّ رسول الله الهجرة إلى الحبشة بمثابة الهجرة إلى المدينة، وفيما يأتي بيان للأسباب التي دفعت النبيّ إلى السماح لأصحابه بالهجرة إلى الحبشة:

  • بدء نفاد صبر المسلمين؛ بسبب اشتداد تعذيب قريش لهم حتى وصل بهم الأمر إلى أن سألوا الرسول عن موعد نصر الله، فخاف رسول الله على دينهم، وأنفسهم.
  • الحفاظ على الدعوة من الانهيار، والضياع بعدما ازداد عدد الداخلين في الإسلام، والخوف من تكوين قريش قوة ضدّهم، وذلك عند شعورها بالخطر منهم، وقد يكون ذلك بتأييد من العرب لقريش.
  • الدور المهمّ الذي قد تلعبه رابطة القرابة، والرحم في تلطُّف القرشيّين بالمسلمين، والتوقُّف عن إيذائهم، وربّما الدخول في الإسلام، على الرغم من أنّ منهم أيضاً من كانت له ردّة فِعل عكسيّة، فازدادوا إيذاءً للمسلمين.

يتلخّص مما سبق أنّ هجرة المسلمين للحبشة كانت بسبب اشتداد أذى المشركين على المسلمين، وحتى يحمي المسلمون الدعوة الإسلامية ويستطيعوا نشرها.

 

أسباب اختيار النبي للحبشة

أمّا في ما يتعلَّق بسبب اختيار الرسول للحبشة حتى تكون المكان الأول الذي يهاجر إليه المسلمون، ففيه عدّة أمور، منها:

  • فراغ أرض الحبشة من القبائل العربيّة؛ فعدم وجود القبائل فيها يُغلق الباب أمام قريش للتحالُف معها، وتكوين قوة ضدّ المسلمين.
  • ملك الحبشة وهو النجاشيّ كان معروفاً بعَدله؛ نتيجة عِلمه بالتوراة والإنجيل، وقد عَرف أهل مكة عنه ذلك؛ بسبب حركة التجارة المُتبادلة فيما بينهم، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه عندما أشار عليهم بالهجرة للحبشة: (إنَّ بأرضِ الحَبَشةِ ملِكًا لا يُظلَمُ أحدٌ عندَه؛ فالحَقوا ببِلادِه حتى يَجعَلَ اللهُ لكم فَرَجًا ومَخرجًا. فخرَجْنا إليه أرسالًا، حتى اجتَمَعْنا، فنزَلْنا بخيرِ دارٍ إلى خيرِ جارٍ، أمِنَّا على دِينِنا).
  • أهل الحبشة كانوا نصارى من أهل الكتاب، وهم أقرب مودّة للذين آمنوا، قال -تعالى-: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ).
  • كونها أرضاً يعمُّها الأمان، والراحة، والطمأنينة.ومع أنّ الحبشة بعيدة عن مكّة -وقد يُعدّ هذا عيباً- إلّا أنّه كان لصالح المسلمين؛ نظراً لكونه بعيداً عن قريش وامتداد نفوذها.
  • كونها بلد مُستقِلّة سياسيّاً ولا تخضع لأحد، ولها اسمها، وقوّتها، وتجارتها، واقتصادها الخاص والعظيم بين القبائل.
  • إضافة إلى أنّ تبادُل الهدايا والمراسلات فيما بينهم كان ممّا ساعد على تأمين الحماية، وتوفيرها لهم، ولاستقرارهم هناك.

اختار النبيّ لأصحابه الهجرة إلى الحبشة كونها دولة قوية يعمّها الأمان، والأهمّ هو ملكها العادل الذي لا يظلم أحداً، وكون أهلها من أهل الكتاب فهم الأقرب مودة للمسلمين.

 

موقف قريش من هجرة المسلمين إلى الحبشة

لمّا أحسّت قريش أنّ وضع المسلمين يصير إلى الطمأنينة والاستقرار في الحبشة، تشاوروا فيما بينهم، واتّفقوا على إرسال شابَّين منهم إلى النجاشيّ؛ كي يطردهم، ويعيدهم إلى مكّة، وجمعوا الكثير من الهدايا، وأرسلوها إليه مع عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص، ولم تقتصر الهدايا عليه فقط، بل شَمِلت حاشيته أيضاً، فلم يبقَ أحد إلّا وأهدوه هدية، وحرّضوهم ضدّ من قَدِموا إليهم من مكّة، وأوصوهم بأن يُشيروا على ملكهم بتسليم أهل مكّة إليهم، فوافقوا على ذلك.

ثمّ ذهبوا إلى النجاشيّ، وقدّموا له الهدايا الخاصّة به، وقالوا له: “إنّه قد لجأ إلى بلدك منّا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك، وجاؤوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشيرتهم، لتردّهم إليهم، فهم أعلى بهم عيناً وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه”. وقد أيّد قوم النجاشيّ رسولَي قريش في كلامهما، فما كان من النجاشيّ إلّا أن رفض ما طلبوه، وأخبرهم أنّه لن يُسلّمهم إليهم حتى يأتي بهم، ويسألهم عمّا قالاه فيهم، فإن قالوا إنّه صحيح سلّمهم إليهما، وإلّا فلا.

فلمّا أحضرهم وسألهم، تكلّم منهم جعفر بن أبي طالب، وأخبره بما كانوا عليه في الجاهلية من الفسوق، والعصيان، وما هم عليه الآن من توحيد الله، والصدق، والأمانة، وحُسن الجوار، وما تعرّضوا له من تعذيب قريش؛ كي يرتدّوا إلى عبادة الأصنام، وقال له إنّهم اختاروه على من سواه؛ طمعاً فيما عنده من العدل، وحُسن الجوار، فطلب منه النجاشيّ أن يقرأ عليه بعضاً ممّا أُنزِل على نبيّه، فقرأ عليه بعضاً من فواتح سورة مريم، فبكى حتى ابتلّت لحيته، وبكى معه قومه، وأخبر القرشيَّين أنّه لن يُسلّمهم إليهما أبداً.

توعّد عمرو بن العاص للمسلمين، فذهب في اليوم التالي وأخبر النجاشيّ أنّ المسلمين يقولون في عيسى بن مريم قولاً عظيماً، وطلب منه أن يسألهم عن شأنهم فيه، فلمّا سألهم أخبره جعفر بأنّ عيسى بن مريم هو عبدالله ورسوله وروحه، فوافقهم النجاشيّ على ذلك، وأعطاهم الأمان، وأعاد إلى القرشيَّين هداياهما، فخرجا من عنده خائبَين، وعاش المسلمون في بلاد النجاشيّ آمنين مُطمئنِّين.

يتلخّص مما سبق أنّ مشركي قريش حاولوا العديد من المحاولات حتى يطرد النجاشي الصحابة من عنده ولا يستقبلهم، إلا أنّ النجاشي رفض ذلك حتى يستمع إلى قولهم، فلمّا استمع إلى قول الصحابي جعفر؛ أبى النجاشي إرجاع المسلمين مع رسل قريش.

 

عودة المسلمين من الحبشة

طالت مدة إقامة المسلمين في الحبشة بعد الهجرة الثانية، حيث ظلّوا هناك إلى ما بعد غزوة خيبر، ولم تكن إقامتهم برغبة منهم، وإنّما بأمر من رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، ومن الأحداث التي حصلت أثناء وجودهم في الحبشة: الهجرة النبوية إلى المدينة المُنوَّرة، وتأسيس الدولة الإسلاميّة، وعلى الرغم من احتياج النبيّ إليهم؛ لأنّ عددهم كان كبيراً، إلّا أنّه لم يطلب منهم العودة.

كما وقعت الكثير من الغزوات العظيمة؛ كبَدر، وأحد، وبني قينقاع، وبني النضير، وصلح الحديبية الذي كان حدثاً مهماً في مسيرة الدعوة الإسلاميّة، والذي به أشعرَ المسلمين بوجودهم، ولمّا أحسّ رسول الله بثبات دولته بعث عمرو بن أمية إلى المهاجرين في الحبشة؛ كي يطلب منهم العودة، وكان ذلك في السنة السابعة من الهجرة بعد فَتح خيبر.

رجع المسلمون من الحبشة بعد مدة زمنية طويلة جرت فيها العديد من الأحداث والغزوات، وكان بقاؤهم بأمر من النبيّ حيث لم يأمرهم بالرجوع، وبعد فتح خيبر وثبات دولته أرسل عمرو بن أمية للمهاجرين أن يعودوا.

 

نتائج الهجرة إلى الحبشة

إنّ من أبرز نتائج الهجرة إلى الحبشة ما يأتي:

  • كانت الهجرة إلى الحبشة بمثابة حركة فتحت الآفاق للمستقبل أمام الدعوة الإسلامية، وخروجها من نطاق المدينة المنورة؛ فالداعية الذكيّ لا يحدّ دعوته زمان ولا مكان، وإن لم يستجب له المَدعُوّون، فإنّه يُغيِّر مكان دعوته، ولا يتوقّف عنها.
  • ساعدت الهجرة المسلمين في الثبات على دينهم.
  • ساعدت الهجرة على نشر الإسلام في مكان غير مكّة المُكرَّمة.

 

منزلة المهاجرين إلى الحبشة

إنّ للصحابة الذين هاجروا إلى الحبشة منزلة عظيمة عند الله -تعالى-، ويتّضح ذلك من خلال حوار أسماء بنت عميس؛ وهي من المهاجرات إلى الحبشة، وبين عمر بن الخطّاب حين كانت زائرة عند حفصة بنت عمر، فدخل عمر عليهما، ولمّا عرف أنّها أسماء، قال لها إنّهم أحقّ برسول الله من الذين هاجروا إلى الحبشة.

فغضبت وقالت: (كذَبْتَ يا عُمَرُ كَلَّا، وَاللَّهِ كُنْتُمْ مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يُطْعِمُ جَائِعَكُمْ، وَيَعِظُ جَاهِلَكُمْ، وَكُنَّا في دَارِ، أَوْ في أَرْضِ البُعَدَاءِ البُغَضَاءِ في الحَبَشَةِ، وَذلكَ في اللهِ وفي رَسولِهِ)،  وأخبرت رسول الله بما دار بينهما من الحديث، فقال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ليسَ بأَحَقَّ بي مِنكُمْ، وَلَهُ وَلأَصْحَابِهِ هِجْرَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَكُمْ أَنْتُمْ أَهْلَ السَّفِينَةِ هِجْرَتَانِ)،  فزاد الفرح في قلوبهم.

يتلخّص مما سبق أنّ الهجرة للحبشة كان لها الكثير من الفوائد والنتائج؛ أبرزها نشر الإسلام وزيادة قوة المسلمين، وقد كان للمهاجرين إليها منزلة عظيمة عند الله -تعالى- ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.

السابق
فوائد صلة الرحم في المجتمع
التالي
سنن النبي في الأكل والشرب

اترك تعليقاً