شرح حديث السبع الموبقات

شرح حديث السبع الموبقات

شرح حديث السبع الموبقات

شرح حديث السبع الموبقات … أمرنا الله عز وجل باجتناب الفواحش صغيرها وكبيرها، غير أن طلبه لاجتناب الكبائر آكد، ومن هذه الكبائر سبع؛ هي أكبر الكبائر؛ من أجل ذلك سماها الموبقات، والمهلكات، وجاء النهي في الحديث بصيغة (اجتنبوا)

 

ذُكرت السَّبع الموبقات في حديثٍ أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله- في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، وَما هُنَّ؟ قالَ: الشِّرْكُ باللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَومَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلَاتِ).

ويسلِّط الحديث الضوء على سبع أفعالٍ خطيرةٍ موبقةٍ مهلكةٍ وعظيمةٍ يجب أن يبتعد العبد عنها؛ كالشِّرك بالله -تعالى
والسِّحر، والقتل، والرِّبا، وأكل مال اليتيم، والتَّولي يوم الزَّحف؛ بمعنى التهرُّب والإعراض عن القِتال
وقذف المحصنات؛ أي اتِّهام المسلمات العفيفات الطَّاهرات بما ليس فيهنَّ.

وقيل إنَّ الأمور المهلكة لا تنحصر بهذه السَّبع بل يدخل فيها شُرب الخمر، والإلحاد، وحلفان اليمين بغير حقٍّ، وشهادة الزور، والقنوط من رحمة الله -تعالى-، وغيرها من الكبائر والصَّغائر، وإنَّما قُيِّدت بسبعٍ وذُكِرت داخل الحديث لأهميَّتها وأثرها على صاحبها.

تعداد السبع الموبقات

الشرك بالله تعالى

الشرك بالله -عز وجل- هو اتِّخاذ شريكٍ مع الله -تعالى- في العبادة؛ كالأصنام، أو الأشجار، أو الشَّمس، أو الأنبياء، أو غيرهم، وهو من أعظم الكبائر التي تُؤدِّي لخروج العبد من الملَّة، ويُطلَقُ عليه الشِّرك الأكبر، وينتظرالمشركين عقاباً عظيماً يوم الحساب، وهو الحرمان من الجنَّة ودخول النّار كما بيَّن الله -تعالى- في قوله: (إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّـهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّـهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ).

والله -تعالى- يغفر ذنوب العباد جميعها إلا الشِّرك فيه، قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّـهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّـهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا)
ويوشك المرء على الوقوع في الشرك الأصغر باتّخاذه أموراً يظنّ أنَّها ستكون سبباً في حمايته أو توفيقه أو رزقه
كالتمائم والتَّطير وغيرها.

السِّحر

السِّحر هو فعل مكتسبٌ يتضمَّن أموراً خدّاعةً هدفها إلحاق الضَّرر بالغير والتفرقة بين الناس بواسطة أخذ العون من الشَّياطين أو تأثيراتٍ خارجيةٍ
والسِّحر وكل ما يتعلَّق بهِ من فعلٍ أو تعلمٍ أو تعليمٍ حرام شرعاً وفعله من كبائر الذنوب
لأنَّه يؤدِّي للكفر، إذ لا يَحدث السحر إلا بالتَّعاون مع الشَّياطين، ويعاقَب فاعله في الدنيا والآخِرة.

ومن وجد أيّ شيءٍ يخص السِّحر عليه التَّخلص منه بحرقِهِ، ولا يجوز تعلم السِّحر حتى لو لم يعمل العبد به
إذ يخشى عليه من الوقوع بالكفر؛ لأنَّ السِّحر مرتبط بشكلٍ مباشرٍ بالشياطين
حيث قال -تعالى-: (وَاتَّبَعوا مَا تَتْلو الشَّيَاطِين عَلَىٰ ملْكِ سلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَان وَلَـٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَروا يعَلِّمونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَاروتَ وَمَاروتَ وَمَا يعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقولَا إِنَّمَا نَحْن فِتْنَة فَلَا تَكْفرْ).

قتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق

القتل العمد هو التَّوجه لإنسانٍ بريءٍ وقتله بغير وجه حقِّ، وهو حرام شرعاً ويصنَّف من كبائر الذنوب
ويَلحق القاتل المتعمِّد العقاب في الدنيا إذ يجازى بالقصاص
وبالآخرة إذ يستحق غضب الله -تعالى- والخلود في نار جهنم، قال -تعالى-:
(وَمَن يَقْتُلْ مؤْمِنًا متَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّـه عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَه عَذَابًا عَظِيمًا).

أكل الرِّبا

الرِّبا نوعان؛ ربا النسيء: وهو زيادة المقرض مبلغاً محدداً من المال يضاف إلى رأس المال الأصليِّ
في حال تأخر المقترض عن سداد دَيْنه أو في حال إعطائه مدَّةً طويلةً للسَّداد
والنوع الثاني هو ربا الفضل: وهو الزِّيادة على أحد البدلين من نَّفسِ الصِّنف عند البيع
كأن يبيع شخص طنّاً من الشعير بطنٍّ ونصف من شعيرٍ آخر.

والرِّبا محرَّم في القرآن والسنَّة والإجماع، قال الله -تعالى-: (وَأَحَلَّ اللَّـه الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)
ويحارَب آكل الرِّبا في الدنيا وله عذاب عظيم في الآخرة، حيث قال -تعالى-:
(يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنوا اتَّقوا اللَّـهَ وَذَروا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كنتم مؤْمِنِينَ* فَإِن لَّمْ تَفْعَلوا فَأْذَنوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّـهِ وَرَسولِهِ وَإِن تبْتمْ فَلَكمْ رءوس أَمْوَالِكمْ لَا تَظْلِمونَ وَلَا تظْلَمونَ).

أكل مال اليتيم

اليتيم هو من فقد والده ومعيله وكفيله في سنٍّ صغيرةٍ، وقد حرص الشَّارع الحكيم على حفظ ماله
وحذَّر الله -تعالى- من أكل مال اليتيم، وقد وصف هذا الفعل بالحوب الكبير؛ أي الإثم والوزر العظيم في قوله -تعالى-:
(وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهمْ وَلَا تَتَبَدَّلوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكمْ إِنَّه كَانَ حوبًا كَبِيرًا).

وإن صار اليتيم تحت كفالة أحدٍ من أقربائه الأغنياء فقد حثَّه الله -تعالى
على كفالته دون الأخذ من ماله، وسمح للكفيل لو كان فقيراً بأخذ ما يكفيه من مال اليتيم فقط بسبب رعايته له، حيث قال -تعالى-:
(وَابْتَلوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتم مِّنْهمْ رشْدًا فَادْفَعوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهمْ وَلَا تَأْكُلوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَروا وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكلْ بِالْمَعْروفِ فَإِذَا دَفَعْتمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهمْ فَأَشْهِدوا عَلَيْهِمْ وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ حَسِيبًا).

التولّي يوم الزّحف

يوم الزَّحف هو يوم ملاقاة العدو، وسمِّي زحفاً كناية عن المشي الثَّقيل، وقد عرَّفه ابن العربي بساعة القتال
أمَّا التَّولّي فهو التَّخلف والهرب قبل المعركة أو خلالها، وقد حذَّر الله -تعالى- وشدَّد على عباده من التَّولّي عن القتال
وترك ساحة المعركة.

قال الله -تعالى-: (يا أَيهَا الَّذينَ آمَنوا إِذا لَقيتُمُ الَّذينَ كَفَروا زَحفًا فَلا توَلّوهم الأَدبارَ* وَمَن يوَلِّهِم يَومَئِذٍ دبره إِلّا متَحَرِّفًا لِقِتالٍ أَو متَحَيِّزًا إِلى فِئَةٍ فَقَد باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّـهِ وَمَأواه جَهَنَّم وَبِئسَ المَصيرُ)
فمن الكبائر أن يخذل المسلم أخاه في القتال ويتركه للعدو دون مساعدته والدفاع عنه.

قذف المحصنات الغافلات المؤمنات

قذف المحصنات هو رمي المرأة العفيفة واتّهماها بالزِّنا أو اللِّواط أو الشَّهادة عليها دون اكتمال أوجه الادّعاء
وقذف المحصنات حرام شرعاً، ويلعن قاذف المحصنات في الدنيا والآخرة، وينتظره عقاب شديد من الله -تعالى-.

وقد بيَّن الله -تعالى- ذلك في كتابه بقوله: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمؤْمِنَاتِ لعِنوا فِي الدنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهمْ عَذَاب عَظِيم)
ولأنَّ من مقاصد الشريعة الإسلامية حفظ العِرض، وبقذف المحصنات اتّهامٌ صريح بسمعة النِّساء المؤمنات بما ليس فيهنَّ
اعتبر هذا الفعل من كبائر الذنوب

السابق
قصة سيدنا زكريا عليه السلام كاملة
التالي
شرح الحديث: كلكم راع

اترك تعليقاً