الوقف والابتداء في القرآن الكريم (بحث مستخرج من الإتقان للسيوطي والبرهان للزركشي مع عدد من الإضافات)

الوقف والابتداء في القرآن الكريم
(بحث مستخرج من الإتقان للسيوطي والبرهان للزركشي مع عدد من الإضافات)

 

 

من أهم أحكام التلاوة:
أحكام الوقف والابتداء، وهي شطر علم الترتيل؛ قال تعالى: ﴿ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ﴾ [المزمل: 4].
والترتيل – كما عرفه أهل العلم – هو: تجويد الحروف، ومعرفة الوقوف.

_قال عبدالله بن عمر: لقد عشنا برهة من دهرنا وإن أحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على محمد فنتعلم حلالها وحرامها، وما ينبغي أن يوقف عنده منها، كما تتعلمون أنتم القرآن اليوم، ولقد رأينا اليوم رجالًا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان، فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدري ما آمره ولا زاجره، ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه،
قال النحاس: فهذا الحديث يدل على أنهم كانوا يتعلمون الأوقاف كما يتعلمون القرآن.

قال ابن الأنباري: من تمام معرفة القرآن: معرفة الوقف والابتداء فيه.
وقال غيره: باب الوقف عظيم القدر، جليل الخطر؛ لأنه لا يتأتى لأحد معرفة معاني القرآن ولا استنباط الأدلة الشرعية منه إلا بمعرفة الفواصل.
وقال ابن الجزري: لما لم يمكن القارئ أن يقرأ السورة أو القصة في نفس واحد، ولم يجز التنفس بين كلمتين حالة الوصل، بل ذلك كالتنفس في أثناء الكلمة – وجب حينئذ اختيار وقف للتنفس والاستراحة، وتعين ارتضاء ابتداء بعده، وتحتم ألا يكون ذلك مما يحيل المعنى، ولا يخل بالفهم؛ إذ بذلك يظهر الإعجاز، ويحصل القصد؛ ولذلك حض الأئمةُ على تعلمه ومعرفته.
واشترط كثير من الخلف على المجيز ألا يحيز أحدًا إلا بعد معرفته الوقف والابتداء.
وصح عن الشعبي أنه قال:
إذا قرأت: ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ﴾ [الرحمن: 26]، فلا تسكت حتى تقرأ: ﴿ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ [الرحمن: 27].

أنواع الوقف

اصطلح الأئمة على أن لأنواع الوقف والابتداء أسماءً، واختلفوا في ذلك على آراء، منها:
الأول:
الوقف على ثلاثة أوجه: تام، وحسن، وقبيح.
أ*- التام: الذي يحسن الوقف عليه، والابتداء بما بعده، ولا يكون بعده ما يتعلق به؛ كقوله: ﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [البقرة: 5]، وقوله: ﴿ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [البقرة: 6].
ب*- الحسن: هو الذي يحسن الوقف عليه، ولا يحسن الابتداء بما بعده؛ كقوله: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾ [الفاتحة: 2]؛ لأن الابتداء بـ: ﴿ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2] لا يحسُنُ؛ لكونه صفة لِما قبله.
ج- القبيح: هو الذي ليس بتام ولا حسن؛ كالوقف على “بسم” من قوله: ﴿ بسم الله ﴾.
قال: ولا يتم الوقف على المضاف دون المضاف إليه، ولا المنعوت دون نعته، ولا الرافع دون مرفوعه، وعكسه، ولا الناصب دون منصوبه، وعكسه، ولا المؤكد دون توكيده، ولا المعطوف دون المعطوف عليه، ولا البدل دون مبدله، ولا إن أو كان أو ظن وأخواتها دون اسمها، ولا اسمها دون خبرها، ولا المستثنى منه دون الاستثناء، ولا الموصول دون صلته، اسميًّا أو حرفيًّا، ولا الفعل دون مصدره، ولا حرف دون متعلقه، ولا شرط دون جزائه.

القول الثاني:
الوقف ينقسم إلى أربعة أقسام: تام مختار، وكافٍ جائز، وحسن مفهوم، وقبيح متروك.
أ*- التام: هو الذي لا يتعلق بشيء مما بعده، فيحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده، وأكثر ما يوجد عند رؤوس الآي غالبًا؛ كقوله: ﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [البقرة: 5]، وقد يوجد في أثنائها؛ كقوله: ﴿ وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ﴾ [النمل: 34]، هنا التمام؛ لأنه انقضى كلام بلقيس، ثم قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾ [النمل: 34].
وكذلك: ﴿ لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ﴾ [الفرقان: 29] هنا التمام؛ لأنه انقضى كلام الظالم أُبيِّ بن خلف، ثم قال تعالى: ﴿ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ﴾ [الفرقان: 29].
وقد يوجد بعدها؛ كقوله: ﴿ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ ﴾ [الصافات: 137، 138]، هنا التمام؛ لأنه معطوف على المعنى؛ أي: بالصبح وبالليل.
ومثله: ﴿ يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا ﴾ [الزخرف: 34، 35]، رأس الآية “يتكئون” و”زخرفًا” هو التمام؛ لأنه معطوف على ما قبله.
وآخر كل قصة وما قبل أولها، وآخر كل سورة، وقبل ياء النداء، وفعل الأمر، والقسم ولامه دون القول، والشرط، ما لم يتقدم جوابه: “وكان الله”، “وما كان” و”ذلك” و”لولا” غالبهن تام، ما لم يتقدمهن قسَمٌ، أو قول، أو ما في معناه.
ب*- الكافي: منقطع في اللفظ، متعلق في المعنى: فيحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده أيضًا، نحو: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ ﴾ [النساء: 23]، هنا الوقف، ويتبدأ بما بعد ذلك، وهكذا كل رأس آية بعدها “لام كي”، و”إلا” بمعنى “لكن”، و”إن” الشديدة المكسورة، والاستفهام، و”بل”، و”ألَا” المخففة، و”السين”، و”سوف” للتهديد، و”نِعم” و”بئس” و”كيلا”، ما لم يتقدمهن قول أو قسم.
جـ- الحسن: هو الذي يحسن الوقف عليه، ولا يحسن الابتداء بما بعده، نحو: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2].
د- القبيح: هو الذي لا يفهم منه المراد؛ كـ: ﴿ الحمد ﴾، وأقبح منه الوقف على: ﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا ﴾ [المائدة: 17]، ويبتدئ: ﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ﴾ [المائدة: 17]؛ لأن المعنى مستحيل بهذا الابتداء، ومن تعمده وقصد معناه فقد كفر،ومثله في الوقف: ﴿ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ ﴾ [البقرة: 258]، ﴿ فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ ﴾ [النساء: 11].
وأقبح من هذا: الوقفُ على المنفي دون حرف الإيجاب، نحو: ﴿ لا إله ﴾ ﴿ إلا الله ﴾ ﴿ وما أرسلناك ﴾ ﴿ إلا مبشرًا ونذيرًا ﴾، فإن اضطر لأجل التنفس جاز، ثم يرجع إلى ما قبله حتى يصله بما بعده، ولا حرج.

القول الثالث:
الوقف على خمس مراتب: لازم، ومطلق، وجائز، ومجوز لوجه، ومرخص ضرورة.
أ*- اللازم: ما لو وُصِل طرفاه غُيِّر المراد؛ نحو قوله: ﴿ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة: 8]، يلزم الوقف هنا؛ إذ لو وصل بقوله: ﴿ يُخَادِعُونَ اللَّهَ ﴾ [البقرة: 9] توهم أن الجملة صفة لقوله: ﴿ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة: 8]، أو حال للضمير، فانتفى الخداع عنهم، وتقرر الإيمان خالصًا عن الخداع؛ كما تقول: ما هو بمؤمن مخادع،والقصد في الآية: إثبات الخداع بعد نفي الإيمان.
وكما في قوله: ﴿ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ ﴾ [البقرة: 71]؛ فإن جملة “تثير” صفة لـ: “ذلول”، داخلة حيز النفي؛ أي: ليست ذلولًا مثيرة للأرض.
ونحو: ﴿ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ﴾ [النساء: 171]، فلو وصلها بقوله: ﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾ [النساء: 171]، لأوهم أنه صفة لولد، وأن المنفي ولد موصوف بأن له ما في السموات، والمراد الولد مطلقًا.
ب*- المطلق: ما يحسن الابتداء بما بعده؛ كالاسم المبتدأ به، نحو: ﴿ اللَّهُ يَجْتَبِي ﴾ [الشورى: 13].
والفعل المستأنف، نحو: ﴿ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ﴾ [النور: 55]، و: ﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ ﴾ [البقرة: 142]، و: ﴿ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 7].
ومفعول المحذوف، نحو: ﴿ وَعْدَ اللَّهِ ﴾ [النساء: 122]، ﴿ سُنَّةَ اللَّهِ ﴾ [الأحزاب: 38].
والشرط، نحو: ﴿ مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ ﴾ [الأنعام: 39].
والاستفهام ولو مقدرًا، نحو: ﴿ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا ﴾ [النساء: 88]، ﴿ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا ﴾ [الأنفال: 67].
والنفي: ﴿ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ﴾ [القصص: 68]، ﴿ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا ﴾ [الأحزاب: 13]؛ حيث لم يكن كل ذلك مقولًا لقول سابق.
جـ- الجائز: ما يجوز فيه الوصل والفصل؛ لتجاذب الموجبين من الطرفين، نحو: ﴿ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ ﴾ [البقرة: 4]؛ فإن واو العطف تقتضي الوصل، وتقديم المفعول على الفعل يقطع النظم؛ فإن التقدير: “ويوقنون بالآخرة”.
د- المجوز لوجه: نحو: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ ﴾ [البقرة: 86]؛ لأن الفاء في قوله: ﴿ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ﴾ [البقرة: 86] تقتضي التسبب والجزاء، وذلك يوجب الوصل، وكون نظم الفعل على الاستئناف يجعل للفصل وجهًا.
هـ- المرخص ضرورة: ما لا يستغني ما بعده عما قبله، لكنه يرخص؛ لانقطاع النفس وطول الكلام، ولا يلزمه الوصل بالعود؛ لأن ما بعده جملة مفهومة؛ كقوله: ﴿ وَالسَّمَاءَ بِنَاءً ﴾ [البقرة: 22]؛ لأن قوله: ﴿ وَأَنْزَلَ ﴾ [البقرة: 22] لا يستغني عن سياق الكلام؛ فإن فاعله ضمير يعود إلى ما قبله، غير أن الجملة مفهومة.
وأما ما لا يجوز الوقف عليه، فكالشرط دون جزائه، والمبتدأ دون خبره، ونحو ذلك.

القول الرابع:
الوقف في التنزيل على ثمانية أضرب:
تام وشبيه به، وناقص وشبيه به، وحسَن وشبيه به، وقبيح وشبيه به.

القول الخامس:
قاله ابن الجزري، حيث يقول:
أكثر ما ذكر الناس في أقسام الوقف غير منضبط ولا منحصر، وأقرب ما قلته في ضبطه:
أن الوقف ينقسم إلى اختياري واضطراري؛ لأن الكلام إما أن يتم، أو لا، فإن تم كان اختياريًّا، وكونه تامًّا لا يخلو إما ألا يكون له تعلق بما بعده البتة – أي: لا من جهة اللفظ، ولا من جهة المعنى – فهو الوقف المسمى بالتام؛ لتمامه المطلق، يوقف عليه، ويُبتدأ بما بعده.
قال: وقد يكون الوقف تامًّا في تفسير وإعراب وقراءة، غير تام على آخر، نحو: ﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 7] تام إن كان ما بعده مستأنفًا، غير تام إن كان معطوفًا،ونحو فواتح السور، الوقف عليها تام إن أعربت مبتدأ، والخبر محذوف، أو عكسه؛ أي: (الم) هذه، أو هذه (الم)، أو مفعولًا بـ: قل مقدرًا، غير تام إن كان ما بعدها هو الخبر.
ونحو: ﴿ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا ﴾ [البقرة: 125] تام على قراءة: ﴿ وَاتَّخِذُوا ﴾ بكسر الخاء، كافٍ على قراءة الفتح، ونحو: ﴿ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ [إبراهيم: 1] تام على قراءة مَن رفَع الاسمَ الكريم بعدها، حسَنٌ على قراءة مَن خفَض.
وقد يتفاضل التام، نحو: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ…إِيَّاكَ نَعْبُدُ.. وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ كلاهما تام، إلا أن الأول أتم من الثاني؛ لاشتراك الثاني فيما بعده في معنى الخطاب بخلاف الأول.
وهذا هو الذي سماه بعضهم شبيهًا بالتام.
ومنه ما يتأكد استحسانه؛ لبيان المعنى المقصود به، وهو اللازم، وإن كان له تعلق فلا يخلو إما أن يكون من جهة المعنى فقط، وهو المسمى بالكافي؛ للاكتفاء به، واستغنائه عما بعده، واستغناء ما بعده عنه؛ كقوله: ﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [البقرة: 3]، وقوله: ﴿ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ ﴾ [البقرة: 4]، وقوله: ﴿ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ ﴾ [البقرة: 5].
أو يتفاضل في الكفاية كتفاضل التام، نحو: ﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ﴾ [البقرة: 10] كافٍ، ﴿ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ﴾ [البقرة: 10] أكفى منه، ﴿ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ [البقرة: 10] أكفى منهما.
وقد يكون الوقف كافيًا على تفسير وإعراب وقراءة، غير كافٍ على آخر، نحو قوله: ﴿ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ﴾ [البقرة: 102] كافٍ إن جعلت ما بعده نافية، حسَن إن فسرت موصولة.
﴿ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ﴾ [البقرة: 4] كافٍ إن أعرب ما بعده مبتدأ خبره: ﴿ عَلَى هُدًى ﴾ [البقرة: 5]، حسن إن جعل خبر: ﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ﴾ [البقرة: 3]، أو خبر: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ ﴾ [البقرة: 4].
﴿ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ ﴾ [البقرة: 139] كافٍ على قراءة: ﴿ أَمْ تَقُولُونَ ﴾ [البقرة: 140] بالخطاب، حسن على قراءة الغيب.
﴿ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 284] كافٍ على قراءة من رفع: ﴿ فَيَغْفِرُ ﴾ [البقرة: 284] و: ﴿ وَيُعَذِّبُ ﴾ [البقرة: 284]، حسن على قراءة من جزم.
وإن كان التعلق من جهة اللفظ، فهو المسمى بالحسن؛ لأنه في نفسه حسن مفيد، يجوز الوقف عليه دون الابتداء بما بعده للتعلق اللفظي إلا أن يكون رأس آية، فإنه يجوز في اختيار أكثر أهل الأداء، وقد يكون الوقف حسنًا على تقدير، وكافيًا أو تامًّا على آخر، نحو: ﴿ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 2]، حسن إن جعل ما بعده نعتًا، كافٍ إن جعل خبرًا مقدرًا أو مفعولًا مقدرًا على القطع، تام إن جعل مبتدأً خبره: ﴿ أُولَئِكَ ﴾ [البقرة: 5].
وإن لم يتم الكلام، كان الوقف عليه اضطراريًّا، وهو المسمى بالقبيح، لا يجوز تعمُّد الوقف عليه إلا لضرورة؛ من انقطاع نفَس ونحوه؛ لعدم الفائدة، أو لفساد المعنى، نحو: ﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ ﴾ [الفاتحة: 7].
وقد يكون بعضه أقبح من بعض، نحو: ﴿ فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ ﴾ [النساء: 11]؛ لإيهامه أنهما مع البنتِ شركاءُ في النصف.
وأقبح منه نحو: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي ﴾ [البقرة: 26]، ﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ﴾ [الماعون: 4]، ﴿ لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ ﴾ [النساء: 43].
فهذا حكم الوقف اختياريًّا واضطراريًّا.

تطبيقات:
الابتداء لا يكون إلا اختياريًّا؛ لأنه ليس كالوقف تدعو إليه ضرورة، فلا يجوز إلا بمستقل بالمعنى، موفٍّ بالمقصود، وهو في أقسامه كأقسام الوقف الأربعة، وتتفاوت تمامًا وكفاية، وحسنًا وقبحًا، بحسب التمام وعدمه، وفساد المعنى وإحالته، نحو الوقف على: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ ﴾ [البقرة: 8]، فإن الابتداء بـ”الناس” قبيح، وبـ: ﴿ وآمنا ﴾ تام، فلو وقف على من يقول، كان الابتداء بـ: “يقول” أحسن من الابتداء بـ: “من”.
وكذا الوقف على: ﴿ خَتَمَ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 7] قبيح، والابتداء بـ: “الله” أقبح، وبـ: “ختم” كافٍ.
والوقف على: ﴿ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 30]، و: ﴿ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 30] قبيح، والابتداء بابن قبيح، وبعُزَير والمسيح أشد قبحًا،لو وقف على: ﴿ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ ﴾ [الأحزاب: 12] ضرورة، كان الابتداء بالجلالة قبيحًا، وبـ: “وعدنا” أقبح منه، وبـ: “ما” أقبح منهما.
وقد يكون الوقف حسنًا، والابتداء به قبيحًا، نحو: ﴿ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ ﴾ [الممتحنة: 1] الوقف عليه حسن، والابتداء به قبيح؛ لفساد المعنى؛ إذ يصير تحذيرًا من الإيمان بالله.
وقد يكون الوقف قبيحًا، والابتداء جيدًا، نحو: ﴿ مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا ﴾ [يس: 52] الوقف على “هذا” قبيح؛ لفصله بين المبتدأ وخبره، ولأنه يوهم أن الإشارة إلى المرقد، والابتداء بـ: “هذا” كافٍ، أو تام لاستئنافه.

تنبيهات:
الأول:
قولهم: لا يجوز الوقف على المضاف دون المضاف إليه، ولا كذا، قال ابن الجزري: إنما يريدون به الجواز الأدائي، وهو الذي يحسن في القراءة، ويروق في التلاوة، ولا يريدون بذلك أنه حرام ولا مكروه، اللهم إلا أن يقصد بذلك تحريف القرآن، وخلاف المعنى الذي أراده الله؛ فإنه يكفر، فضلًا عن أن يأثم.
الثاني:
ينبغي تحري المعنى الأتم، والوقف الأوجه، وذلك نحو الوقف على: ﴿ وَارْحَمْنَا أَنْتَ ﴾ [البقرة: 286]، والابتداء: ﴿ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا ﴾ [البقرة: 286] على معنى النداء.
ونحو: ﴿ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ ﴾ [النساء: 62]، ويبتدئ: ﴿ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا ﴾ [النساء: 62].
ونحو: ﴿ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ ﴾ [لقمان: 13]، ويبتدئ: ﴿ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ ﴾ [لقمان: 13] على معنى القسم.
ونحو: ﴿ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ ﴾ [التكوير: 29]، ويبتدئ: ﴿ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [التكوير: 29].
ونحو: ﴿ فَلَا جُنَاحَ ﴾ [البقرة: 158]، ويبتدئ: ﴿ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ﴾ [البقرة: 158].
فكلُّه تعسُّف وتمحُّل، وتحريف للكلم عن مواضعه.
الثالث:
يُغتَفَر في طول الفواصل والقصص والجمل المعترضة ونحو ذلك وفي حالة جمع القراءت وقراءة التحقيق والتنزيل – ما لا يغتفر في غيرها، فربما أجيز الوقف والابتداء لبعض ما ذكر، ولو كان لغير ذلك لم يبح، وهذا الذي سماه السجاوندي: المرخص ضرورة، ومثله بقوله: ﴿ وَالسَّمَاءَ بِنَاءً ﴾ [البقرة: 22].
والأحسن تمثيله بنحو: ﴿ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ﴾ [البقرة: 177]، وبنحو: ﴿ النبيين ﴾، وبنحو: ﴿ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ ﴾ [البقرة: 177]، وبنحو: ﴿ عَاهَدُوا ﴾ [البقرة: 177]، وبنحو كل من فواصل: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [المؤمنون: 1] إلى آخر القصة، قال صاحب المستوفى: النَّحْويون يكرهون الوقف الناقص في التنزيل مع إمكان التام، فإن طال الكلام ولم يوجد فيه وقف تام، حسُن الأخذُ بالناقص؛ كقوله: ﴿ قُلْ أُوحِيَ ﴾ [الجن: 1] إلى قوله: ﴿ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ﴾ [الجن: 18] إن كسرت بعده إن، وإن فتحتها فإلى قوله: ﴿ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ﴾ [الجن: 19].
ويحسِّن الوقفَ الناقص أمور، منها: أن يكون لضرب من البيان؛ كقوله: ﴿ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا ﴾ [الكهف: 1]؛ فإن الوقف هنا يبين أن ﴿ قَيِّمًا ﴾ [الكهف: 2] منفصل عنه، وأنه حال في نية التقديم، وكقوله: ﴿ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ ﴾ [النساء: 23] ليفصل به بين التحريم النسبي والسببي، ومنها: أن يكون الكلام مبنيًّا على الوقف، نحو: ﴿ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ ﴾ [الحاقة: 25، 26].
وكما اغتُفِر الوقف لما ذكر، قد لا يغتفر ولا يحسن فيما قصر من الجمل، وإن لم يكن التعلق لفظيًّا، نحو: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ ﴾ [البقرة: 87]، ﴿ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ ﴾ [البقرة: 87]؛ لقرب الوقف على ﴿ بِالرُّسُلِ ﴾ [البقرة: 87]، وعلى ﴿ الْقُدُسِ ﴾ [البقرة: 87]،وكذا يراعى في الوقف الازدواج، فيوصل ما يوقف على نظيره مما يوجد التمام عليه، وانقطع تعلقه بما بعده لفظًا، وذلك من أجل ازدواجه، نحو: ﴿ لَهَا مَا كَسَبَتْ ﴾ [البقرة: 134] – مع – ﴿ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ ﴾ [البقرة: 134]،ونحو: ﴿ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ﴾ [البقرة: 203] – مع – ﴿ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ﴾ [البقرة: 203].
ونحو: ﴿ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ ﴾ [الحج: 61] – مع – ﴿ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ﴾ [الحج: 61].
ونحو: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ﴾ [فصلت: 46] – مع – ﴿ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ﴾ [فصلت: 46].
الرابع:
قد يجيزون الوقف على حرف، ويجيز آخرون الوقف على آخر، ويكون بين الوقفين مراقبة على التضاد، فإذا وقف على أحدهما امتنع الوقف على الآخر، كمن أجاز الوقف على: ﴿ لَا رَيْبَ ﴾ [البقرة: 2]، فإنه لا يجيزه على: ﴿ فِيهِ ﴾ [البقرة: 2]، والذي يجيزه على: ﴿ فِيهِ ﴾ [البقرة: 2] لا يجيزه على: ﴿ لَا رَيْبَ ﴾ [البقرة: 2] (التعانق).
وكالوقف على: ﴿ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ ﴾ [البقرة: 282]، فإن بينه وبين: ﴿ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 282] مراقبة، والوقف على: ﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 7]، فإن بينه وبين: ﴿ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ﴾ [آل عمران: 7] مراقبة.
وأول من نبه على المراقبة في الوقف أبو الفضل الرازي، أخذه من المراقبة في العروض.
الخامس:
قال ابن مجاهد (صاحب السبعة في القراءات: حققه شوقي ضيف، وهو كتاب رائع ومهم جدًّا لمعرفة القراءات تفصيلًا):
لا يقوم بالتمام في الوقف إلا نَحْويٌّ عالم بالقراءات، عالم بالتفسير والقصص وتخليص بعضها من بعض، عالم باللغة التي نزل بها القرآن، وقال غيره: وكذا علم الفقه؛ ولهذا من لم يقبل شهادة القاذف وإن تاب يقف عند قوله: ﴿ وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ﴾ [النور: 4]، وممَّن صرَّح بذلك النكزاوي فقال في كتاب الوقف:
لا بد للقارئ من معرفة بعض مذاهب الأئمة المشهورين في الفقه؛ لأن ذلك يعين على معرفة الوقف والابتداء؛ لأن في القرآن مواضعَ ينبغي الوقف على مذهب بعضهم، ويمتنع على مذهب آخرين.
فأما احتياجه إلى علم النحو وتقديراته، فلأن من جعل: ﴿ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ﴾ [الحج: 78] منصوبًا على الإغراء، وقف على ما قبله، أما إذا أعمل فيه ما قبله، فلا [يقف].
وأما احتياجه إلى القراءات، فلما تقدم من أن الوقف قد يكون تامًّا على قراءة، غير تام على أخرى.
وأما احتياجه إلى التفسير، فلأنه إذا وقف على: ﴿ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً ﴾ [المائدة: 26]، كان المعنى: أنها محرمة عليهم هذه المدة، وإذا وقف على: ﴿ عَلَيْهِمْ ﴾ [المائدة: 26] كان المعنى: أنها محرمة عليهم أبدًا، وأن التِّيهَ أربعين، فرجع في هذا إلى التفسير.
وقد تقدم أيضًا أن الوقف يكون تامًّا على تفسير وإعراب، غير تام على تفسير وإعراب آخر.
وأما احتياجه إلى المعنى فضرورة؛ لأن معرفة مقاطع الكلام إنما تكون بعد معرفة معناه؛ كقوله: ﴿ وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ ﴾ [يونس: 65]، فقوله: ﴿ إِنَّ الْعِزَّةَ ﴾ [يونس: 65] استئناف لا مقولهم، وقوله: ﴿ فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا ﴾ [القصص: 35]، ويبتدئ: ﴿ أَنْتُمَا ﴾ [القصص: 35]، وقال الشيخ عز الدين: الأحسن الوقف على ﴿ إِلَيْكُمَا ﴾ [القصص: 35]؛ لأن إضافة الغلبة إلى الآيات أولى من إضافة عدم الوصول إليها؛ لأن المراد بالآيات العصا وصفاتها، وقد غلبوا بها السحرة، ولم تمنع عنهم فرعون.
وكذا الوقف على قوله: ﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ﴾ [يوسف: 24]، ويبتدئ: ﴿ وَهَمَّ بِهَا ﴾ [يوسف: 24]، على أن المعنى: “لولا أن رأى برهان ربه لهم بها”، فقدم جواب “لولا”، ويكون همه منتفيًا، فعلم بذلك أن معرفة المعنى أصل في ذلك كبير.
السادس:
حكى ابن برهان النحوي عن أبي يوسف القاضي صاحب أبي حنيفة: أنه ذهب إلى أن تقدير الموقوف عليه من القرآن بالتام والناقص والحسن والقبيح وتسميته بذلك بدعة، ومتعمد الوقوف على نحوه مبتدع، قال: لأن القرآن معجز، وهو كالقطعة الواحدة، فكله قرآن، وبعضه قرآن، وكله تام حسن، وبعضه تام حسن.
السابع:
لأئمة القراء مذاهب في الوقف والابتداء؛ فنافع كان يراعي محاسنهما بحسب المعنى، وابن كثير وحمزة حيث ينقطع النفس، واستثنى ابن كثير: ﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 7]، ﴿ وَمَا يُشْعِرُكُمْ ﴾ [الأنعام: 109]، ﴿ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ﴾ [النحل: 103]، فتعمَّدَ الوقفَ عليها، وعاصم والكسائي حيث تم الكلام، وأبو عمرو يتعمد رؤوس الآي ويقول: هو أحب إلي، فقد قال بعضهم: إن الوقف عليه سنة،وقال البيهقي في الشُّعَب وآخرون: الأفضل الوقف على رؤوس الآيات، وإن تعلقت بما بعدها، اتباعًا لهديِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنَّتِه.
روى أبو داود وغيره عن أم سلمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ قطع قراءته آية آية، يقول: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾، ثم يقف، ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾، ثم يقف، ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ ثم يقف.
الثامن:
الوقف والقطع والسكت عبارات يطلقها المتقدمون غالبًا مرادًا بها الوقف، والمتأخرون فرقوا، فقالوا:
القطع:
عبارة عن قطع القراءة رأسًا، فهو كالانتهاء، فالقارئ به كالمعرض عن القراءة والمنتقل إلى حالة أخرى غيرها، وهو الذي يستعاذ بعده للقراءة المستأنفة، ولا يكون إلا على رأس آية؛ لأن رؤوس الآي في نفسها مقاطع؛ أخرج سعيد بن منصور في سننه، حدثنا أبو الأحوص، عن أبي سنان، عن ابن أبي الهذيل أنه قال: “كانوا يكرهون أن يقرؤوا بعض الآية ويدعوا بعضها”؛ إسناده صحيح، وعبدالله بن أبي الهذيل تابعي كبير، وقوله: “كانوا ” يدل على أن الصحابة كانوا يكرهون ذلك.
والوقف:
عبارة عن قطع الصوت عن الكلمة زمنًا يتنفس فيه عادة بنية استئناف القراءة، لا بنية الإعراض، ويكون في رؤوس الآي وأوساطها، ولا يأتي في وسط الكلمة، ولا فيما اتصل رسمًا.
والسكت:
عبارة عن قطع الصوت زمنًا، هو دون زمن الوقف عادة، من غير تنفس، واختلاف ألفاظ الأئمة في التأدية عنه مما يدل على طوله وقصره؛ فعن حمزة في السكت على الساكن قبل الهمزة سكتة يسيرة، والصحيح أنه مقيد بالسماع والنقل، ولا يجوز إلا فيما صحت الرواية به لمعنى مقصود بذاته.
وقيل: يجوز في رؤوس الآي مطلقًا حالة الوصل؛ لقصد البيان، وحمل بعضهم الحديث الوارد على ذلك.

ضوابط:
1- كل ما في القرآن من “الذي” و”الذين” يجوز فيه الوصل بما قبله نعتًا، والقطع على أنه خبر، إلا في سبعة مواضع؛ فإنه يتعين الابتداء بها.
﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ ﴾ في [البقرة: 121].
﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ﴾ في [البقرة: 146]، ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ ﴾ في [الأنعام: 20].
﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا ﴾ في [البقرة: 275].
﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا ﴾ في [التوبة: 20].
﴿ الَّذِينَ يُحْشَرُونَ ﴾ في [الفرقان: 34].
﴿ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ ﴾ في [غافر: 7].
وفي قوله: ﴿ الَّذِي يُوَسْوِسُ ﴾ في [الناس: 5] يجوز أن يقف القارئ على الموصوف ويبتدئ بـ: “الذي”

إن حملته على القطع، بخلاف ما إذا جعلته صفة.

وقيل: الصفة إن كانت للاختصاص امتنع الوقف على موصوفها دونها، وإن كانت للمدح جاز؛ لأن عاملها في المدح غير عامل الموصوف.

2- الوقف على المستثنى منه دون المستثنى إن كان منقطعًا فيه مذاهب:
الجواز مطلقًا؛ لأنه في معنى مبتدأٍ حُذِف خبره للدلالة عليه.
والمنع مطلقًا؛ لاحتياجه إلى ما قبله لفظًا؛ لأنه لم يعهد استعمال “إلا” وما في معناها إلا متصلة بما قبلها، ومعنًى؛ لأن ما قبلها مشعر بتمام الكلام في المعنى.
والتفصيل: فإن صرح بالخبر جاز؛ لاستقلال الجملة واستغنائها عما قبلها، وإن لم يصرح به فلا؛ لافتقارها؛ قاله ابن الحاجب في أماليه.
3- الوقف على الجملة الندائية جائز، كما نقله ابن الحاجب عن المحققين؛ لأنها مستقلة، وما بعدها جملة أخرى، وإن كانت الأولى تتعلق بها.
4- كل ما في القرآن من القول لا يجوز الوقف عليه؛ لأن ما بعده حكايته؛ قاله الجويني في تفسيره.
5- “كلا” في القرآن في ثلاثة وثلاثين موضعًا، منها سبعة للردع اتفاقًا، فيوقف عليها، وذلك:
﴿ عَهْدًا * كَلَّا ﴾ في [مريم: 78، 79].
﴿ عِزًّا * كَلَّا ﴾ في [مريم: 81، 82].
﴿ أَنْ يَقْتُلُونِ * قَالَ كَلَّا ﴾ في [الشعراء: 14، 15].
﴿ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا ﴾ في [الشعراء: 61، 62].
﴿ شُرَكَاءَ كَلَّا ﴾ في [سبأ: 27].
﴿ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا ﴾ في [المدثر: 15، 16].
﴿ أَيْنَ الْمَفَرُّ * كَلَّا ﴾ في [القيامة: 10، 11].

والباقي منها ما هو بمعنى حقًّا قطعًا، فلا يوقف عليه، ومنها ما احتمل الأمرين، ففيه الوجهان، وقال مكي: هي أربعة أقسام:
الأول: ما يحسن الوقف فيه عليها على معنى الردع، وهو الاختيار، ويجوز الابتداء بها على معنى “حقًّا”، وذلك أحد عشر موضعًا:
اثنان في مريم، وفي: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ ﴾، وسبأ، واثنان في المعارج، واثنان في المدثر: ﴿ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا [المدثر: 15، 16]، ﴿ مُنَشَّرَةً * كَلَّا [المدثر: 52، 53]، وفي المطففين: ﴿ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * كَلَّا [المطففين: 13، 14]، وفي الفجر: ﴿ أَهَانَنِ * كَلَّا ﴾ [الفجر: 16، 17]، وفي الهمزة: ﴿ أَخْلَدَهُ * كَلَّا ﴾ [الهمزة: 3، 4].
الثاني: ما يحسن الوقف عليها، ولا يجوز الابتداء بها، وهو موضعان في الشعراء: ﴿ أَنْ يَقْتُلُونِ * قَالَ كَلَّا ﴾ [الشعراء: 14، 15]، ﴿ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا ﴾ [الشعراء: 61، 62].
الثالث: ما لا يحسن الوقف عليها، ولا الابتداء بها، بل توصل بما قبلها وبما بعدها، وهو موضعان في عَم والتكاثر: ﴿ ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ﴾ [النبأ: 5]، ﴿ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ [التكاثر: 4].
الرابع: ما لا يحسن الوقف عليها، ولكن يبتدأ بها، وهو الثمانية عشر الباقية.
6- “بلى” في القرآن في اثنين وعشرين موضعًا، وهي ثلاثة أقسام:
الأول: ما لا يجوز الوقف عليها إجماعًا؛ لتعلُّق ما بعدها بما قبلها، وهو سبعة مواضع:
في الأنعام: ﴿ بَلَى وَرَبِّنَا ﴾ [الأنعام: 30].
في النحل: ﴿ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا ﴾ [النحل: 38].
في سبأ: ﴿ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ ﴾ [سبأ: 3].
في الزمر: ﴿ بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ ﴾ [الزمر: 59].
في الأحقاف: ﴿ بَلَى وَرَبِّنَا ﴾ [الأحقاف: 34].
في التغابن: ﴿ قُلْ بَلَى وَرَبِّي ﴾ [التغابن: 7].
في القيامة: ﴿ بَلَى قَادِرِينَ ﴾ [القيامة: 4].

الثاني: ما فيه خلاف، والاختيار المنع، وذلك خمسة مواضع:
في البقرة: ﴿ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ﴾ [البقرة: 260].
في الزمر: ﴿ بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ ﴾ [الزمر: 71].
في الزخرف: ﴿ بَلَى وَرُسُلُنَا ﴾ [الزخرف: 80].
في الحديد: ﴿ قَالُوا بَلَى ﴾ [الحديد: 14].
في تبارك: ﴿ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا ﴾ [الملك: 9].
الثالث: ما الاختيار جواز الوقف عليها، وهو العشرة الباقية.
7- “نَعَمْ” في القرآن في أربعة مواضع:
في الأعراف: ﴿ قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ ﴾ [الأعراف: 44]،والمختار الوقف عليها؛ لأن ما بعدها غير متعلق بما قبلها؛ إذ ليس من قول أهل النار،[والبواقي فيها].
وفي الشعراء: ﴿ قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴾ [الشعراء: 42].
وفي الصافات: ﴿ قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ ﴾ [الصافات: 18].
والمختار لا يوقف عليها؛ لتعلق ما بعدها بما قبلها؛ لاتصاله بالقول.

ضابط:
كل ما أجازوا الوقف عليه، أجازوا الابتداء بما بعده.
كيفية الوقف على أواخر الكلم:
للوقف في كلام العرب أوجه متعددة، والمستعمل منها عند أئمة القراءة تسعة:
السكون، والرَّوْم، والإشمام، والإبدال، والنقل، والإدغام، والحذف، والإثبات، والإلحاق.
فأما السكون: فهو الأصل في الوقف على الكلمة المحركة وصلًا؛ لأن معنى الوقف الترك والقطع، ولأنه ضد الابتداء، فكما لا يبتدأ بساكن لا يوقف على متحرك، وهو اختيار كثير من القراء.
وأما الرَّوْم: فهو عند القراء عبارة عن النطق ببعض الحركة، وقال بعضهم: تضعيف الصوت بالحركة حتى يذهب معظمها،قال ابن الجزري: وكلا القولين واحد،ويختص بالمرفوع والمجزوم والمضموم والمكسور، بخلاف المفتوح؛ لأن الفتحة خفيفة، إذا خرج بعضها خرج سائرها، فلا تقبل التبعيض،وأما – الإشمام: فهو عبارة عن الإشارة إلى الحركة من غير تصويت، وقيل: أن تجعل شفتيك على صورتها، وكلاهما واحد، ويختص بالضمة، سواء كانت حركة إعراب أم بناء، إذا كانت لازمة، أما العارضة وميم الجمع عند من ضم وهاء التأنيث، فلا رَوْمَ في ذلك ولا إشمام، وقيد ابن الجزري هاء التأنيث بما يوقف عليها بالهاء، بخلاف ما يوقف عليها بالتاء للرسم، ثم إن الوقف بالرَّوْمِ والإشمام ورد عن أبي عمرو والكوفيين نصًّا، ولم يأتِ عن الباقين فيه شيء، واستحبه أهل الأداء في قراءتهم أيضًا، وفائدته بيان الحركة التي تثبت في الوصل للحرف الموقوف عليه، ليظهر للسامع أو الناظر كيف تلك الحركة الموقوف عليها.

وأما الإبدال: ففي الاسم المنصوب المنون يوقف عليه بالألف بدلًا من التنوين، ومثله إذًا، وفي الاسم المفرد المؤنث بالتاء يوقف عليها بالهاء بدلًا منها، وفيما آخره همزة متطرفة بعد حركة أو ألف، فإنه يوقف عليه عند حمزة بإبدالها حرف مد من جنس ما قبلها، ثم إن كان ألفًا جاز حذفها، نحو: ﴿ اقرأ ﴾ و﴿ نبئ ﴾ و﴿ يبدأ ﴾ و﴿ إن امرؤ ﴾ و﴿ من شاطئ ﴾ و﴿ يشاء ﴾ و﴿ من السماء ﴾ و﴿ من ماء ﴾.

وأما النقل: ففيما آخره همزة بعد ساكن، فإنه يوقف عليه عند حمزة بنقل حركتها إليه، فتحرك بهاء ثم تحذف هي، سواء أكان الساكن صحيحًا، نحو: ﴿ دفء ﴾ ﴿ ملء ﴾ ﴿ ينظر المرء ﴾ ﴿ لكل باب منهم جزء ﴾ ﴿ بين المرء وقلبه ﴾ ﴿ يفرقون به بين المرء وزوجه ﴾ ﴿ يخرج الخبء ﴾ – ولا ثامن لها، أم ياءً أو واوًا أصليتين، سواء كانتا حرف مد،نحو: ﴿ المسيء ﴾ ﴿ وجيء ﴾ و﴿ يضيء ﴾ ﴿ أن تبوء ﴾ ﴿ لتنوء ﴾ ﴿ وما عملت من سوء ﴾، أم لين، نحو: ﴿ شيء ﴾ ﴿ قوم سوء ﴾ ﴿ مثل السوء ﴾.

وأما الإدغام: ففيما آخره همز بعد ياء أو واو زائدتين، فإنه يوقف عليه عند حمزة أيضًا بالإدغام بعد إبدال الهمز من جنس ما قبله، نحو: ﴿ النسيء ﴾ و: ﴿ بريء ﴾ و﴿ قروء ﴾.

وأما الحذف: ففي الياءات الزوائد عند من يثبتها وصلًا ويحذفها وقفًا، وياءات الزوائد – وهي التي لم ترسم – مائة وإحدى وعشرون، منها خمس وثلاثون في حشو الآي، والباقي في رؤوس الآي، فنافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو جعفر يثبتونها في الوصل دون الوقف، وابن كثير ويعقوب يثبتان في الحالين، وابن عامر وعاصم وخلَفٌ يحذفون في الحالين، وربما خرج بعضهم عن أصله في بعضها.

وأما الإثبات: ففي الياءات المحذوفات وصلًا عند من يثبتها وقفًا، نحو: ﴿ هاد ﴾ و: ﴿ وال ﴾ و: ﴿ واق ﴾ و: ﴿ باق ﴾.

وأما الإلحاق: فما يلحق آخر الكلم من هاءات السكت عند من يلحقها في: ﴿ عم ﴾ و: ﴿ فيم ﴾ و: ﴿ بم ﴾ و: ﴿ لم ﴾ و: ﴿ مم ﴾، والنون المشددة من جمع الإناث، نحو: ﴿ هن ﴾ و: ﴿ مثلهن ﴾، والنون المفتوحة نحو: ﴿ العالمين ﴾ و: ﴿ الذين ﴾ و: ﴿ المفلحون ﴾، والمشدد المبني، نحو: ﴿ ألا تعلوا علي ﴾ و: ﴿ خلقت بيدي ﴾ و: ﴿ مصرخي ﴾ و: ﴿ لدي ﴾.

قاعدة هامة:
أجمعوا على لزوم اتباع رسم المصاحف العثمانية في الوقف إبدالًا وإثباتًا وحذفًا ووصلًا وقطعًا، إلا أنه ورد عنهم اختلاف في أشياء بأعيانها؛ كالوقف بالهاء على ما كتب بالتاء، وبإلحاق الهاء فيما تقدم وغيره، وبإثبات الياء في مواضع لم ترسم بها، والواو في: ﴿ وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ ﴾ [الإسراء: 11]، ﴿ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ ﴾ [القمر: 6]، ﴿ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ ﴾ [العلق: 18]، و: ﴿ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ ﴾ [الشورى: 24]، والألف في: ﴿ أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [النور: 31]، ﴿ أَيُّهَ السَّاحِرُ ﴾ [الزخرف: 49]، ﴿ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ ﴾ [الرحمن: 31].
وتحذف النون في: ﴿ وكأين ﴾ حيث وقع، فإن أبا عمرو يقف عليه بالياء، ويوصل: ﴿ أَيًّامَا ﴾ في الإسراء، و: ﴿ مَالِ ﴾ في النساء والكهف والفرقان وسأل، وقطع: ﴿ ويكأن ﴾ ﴿ ويكأنه ﴾ و: ﴿ ألا يسجدوا ﴾.
ومن القراء من يتبع الرسم في الجميع.
والله الموفق للصواب.

أ. طاهر العتباني

السابق
الفوز المبين والفوز الكبير والفوز العظيم في القرآن
التالي
تفسير سورة فاطر للسعدى من الآية 11: 1

اترك تعليقاً