الصحابي الذي اتهم بحادثة الافك

الصحابي الذي اتهم بحادثة الافك

 

الصحابي الذي اتهم بحادثة الافك

 

إنّ الصحابي الذي اتهم بحادثة الافك هو مثار أسئلة المسلمين منذ القِدَم، منذ ما بعد عصر النبوة وصدر الإسلام، فعندما يقرأ المسلمون آيات سورة النور فإنّ الفضول يدفعهم لمعرفة الدقائق التي مرّت بها حادثة الإفك بتفاصيلها كافّة، وفي هذا المقال إجابة عن هذا التساؤل بالإضافة للإضاءة على كثير من الأمور المهمة في هذه الحادثة.

 

حادثة الإفك

إنّ حادثة الإفك كانت من أكبر المِحَن التي مرّ بها رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- وأهل بيته عليهم السلام، وكانت كذلك امتحانًا لكثير من الصحابة ليبلوهم الله -تعالى- أيّهم أحسن عملًا، وليبلو صبرهم على الشدائد حينما طعن المنافقون في عرض النبي عليه الصلاة والسلام، فصبر معه كثير من أصحابه، ومرّت على أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أيّامًا صِعابًا حتى أنزل الله -تعالى- براءتها من فوق سبع سماوات.

الصحابي الذي اتهم بحادثة الافك

إنّ الصحابي الذي اتهم بحادثة الافك هو الصحابي الجليل صفوان بن المعطّل السلمي ثمّ الذكواني، ويكنّى أبو عمرو السلمي، وقد أنزل الله -تعالى- براءته من حادثة الإفك كما أنزل براءة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وقد كان صفوان شاعرًا، روى عنه بعض التابعين مثل سعيد بن المسيب، وقيل إنّه مات في خلافة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم أجمعين.

قصة حادثة الإفك مختصرة

بعد معرفة الصحابي الذي اتهم بحادثة الافك فإنّه لا بأس من الوقوف على قصة حادثة الإفك باختصار، والقصة باختصار هي أنّ أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قد خرجت يومًا مع النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى إحدى الغزوات، وعند العودة من الغزوة استراح الجيش وكانت أم المؤمنين -رضي الله عنها- محولة في هودج، وقد كان الحجاب مفروضًا منذ عام، فخرجت أم المؤمنين -رضي الله عنها- من هودجها لقضاء حاجة، وعندما عادت تفقدت عقدها فلم تجده، فعادت لتبحث عنه وكان الظلام حالكًا فلم تتمكن من العثور عليه سريعًا، وبينما هي تبحث عن العقد سار الجيش وحملوا هودجها ولم يتنبّهوا إلى أنّها فيه لأنّها كانت حديثة السن ولم تكن ثقيلة الوزن.

فعندما عادت ووجدت الجيش قد سار جلست مكانها ظنًّا منها أنّهم سينتبهون

لها ويعودون إلى مكانها، فبقيت جالسة حتى غلبها النعاس فنامت، فبينما

هي نائمة مرّ صفوان بن المعطل فرآها وعرفها لأنّه قد شاهدها قبل

ذلك قبل نزول آية الحجاب، فعندما شاهدها قال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون،

فسمعت صوته فانتبهت من نومها، فأناخ بعيره وركبت وسار بها حتى

أدركوا الجيش عند الظهيرة، وبعد الوصول إلى المدينة صار المنافقين

يتحدثون بالسوء عن أم المؤمنين وصفوان رضي الله عنهما، وكان الذي تولّى كبره من المنافقين

في نشر الشائعة زعيم المنافقين عبد الله بن أُبي بن سلول.

فعادت أم المؤمنين -رضي الله عنها- إلى المدينة ولا تعلم ما يقال عنها،

لأنّها كانت مريضة وبقيت طريحة بيتها شهرًا لا تخرج، حتى خرجت ذات ليلة

مع أم مسطح بن أثاثة، فحكت لها أم مسطح ما يقال عنها، وقد كانت

قبل ذلك تستغرب تصرفات النبي -عليه الصلاة والسلام- معها خلال مدة

إقامتها في البيت، فعندما عادت إلى البيت استأذنت النبي -عليه الصلاة والسلام-

في الذهاب إلى أهلها، وكانت تريد الاستفسار منهم عمّا يدور على ألسنة الناس،

من كلام عنها، فأذن لها، فسألت والدتها وأبوها -رضي الله عنهما-

وصارا يخففان عنها، فصارت تبكي ليلة وليلتين ويومًا، حتى جاءها النبي -عليه الصلاة والسلام- وهي عند أهلها.

فقال لها: “يا عَائِشَةُ، فإنَّه بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وكَذَا، فإنْ كنْتِ بَرِيئَةً فَسَيبرِّئُكِ اللهُ، وإنْ كنْتِ ألْمَمْتِ بذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللهَ وتوبِي إلَيْهِ؛ فإنَّ العَبْدَ إذَا اعْتَرَفَ بذَنْبِهِ ثمَّ تَابَ، تَابَ اللهُ عليه”، فجمد دمع أم المؤمنين وقالت لأبيها وأمّها -رضي الله عنهم- أن يجيبا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ولكنهما لم يستطيعا أن يقولا شيئًا، فقالت هي: “إنِّي واللهِ لقَدْ عَلِمْتُ أنَّكُمْ سَمِعْتُمْ ما يَتَحَدَّثُ به النَّاسُ، ووَقَرَ في أنْفسِكُمْ وصَدَّقْتُمْ به، ولَئِنْ قلتُ لَكُمْ: إنِّي بَرِيئَةٌ -واللهُ يَعْلَمُ إنِّي لَبَرِيئَةٌ- لا تُصَدِّقونِي بذلكَ، ولَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بأَمْرٍ -واللهُ يَعْلَمُ أنِّي بَرِيئَةٌ- لَتُصَدِّقُنِّي، واللهِ ما أجِدُ لي ولَكُمْ مَثَلًا إلَّا أبَا يُوسُفَ إذْ قَالَ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18]”.

فما هي إلّا لحظات حتى نزل الوحي ببراءتها بآيات من سورة النور، فقالت لها أمّها: “قومِي إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ”، بمعنى أن قومي واشكريه، فقالت: “لا واللهِ، لا أقُومُ إلَيْهِ، ولَا أحْمَدُ إلَّا اللهَ”، فقام النبي -عليه الصلاة والسلام- وخطب بالناس وتلا عليهم ما نزل عليه من القرآن الكريم.

الصحابة الذين خاضوا في حادثة الإفك

لقد خاض بعض الصحابة في حادثة الإفك من دون علم بمدى خطورة الكلام الذي يقولونه، فكان منهم من صدّق ابن سلول وعصبته ومنهم من كان يدور بالحديث من دون إدراك لما قد تصل إليه الأمور، فيكثر السؤال عن الصحابة الذين جلدوا في حادثة الإفك، فبعد أن ارتقى النبي -عليه الصلاة والسلام- منبر المسجد وتلا على الناس آيات سورة النور التي نزلت في فضح المنافقين وتبرئة أم المؤمنين -رضي الله عنها- فإنّه قد أمر برجلين من الصحابة وامرأة فُجلدوا حد القذف، وهم حسان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش شقيقة أم المؤمنين زينب بن جحش رضي الله عنهم.

 

وقد يسأل سائل لماذا لم يجلد النبي -عليه الصلاة والسلام- زعيم المنافقين وجلد الصحابة؟ فالجواب يكون بأنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- قد جلد الصحابة للتخفيف عنهم ولكي يكفّر الله -تعالى- عنهم ذنوبهم ولا يبقى عليهم تبعة في الآخرة، وأمّا ابن سلول فإنّه إن جلِدَ فإنّ ذلك سيخفف عنه عذاب الآخرة، فلم يُجلَد لأنّ الله -تعالى- قد أعدّ له عذابًا عظيمًا يوم القيامة، والله أعلم.

آيات البراءة من الإفك

ختامًا وبعد معرفة الصحابي الذي اتهم في حادثة الافك فإنّ هذه الفقرة تقف

مع الآيات التي قد أنزلها الله -تعالى- في حادثة الإفك وفيها فضح المنافقين

وتبرئة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وهي عشر آيات من سورة النور

يقول فيها تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ

شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ

وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ * لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ

الْمؤْمِنُونَ وَالْمؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَٰذَا إِفْكٌ مبِينٌ *

لَّوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شهَدَاءَ ۚ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأولَٰئِكَ عِندَ اللهِ همُ الْكَاذِبُونَ *

وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.

ثمّ يقول تعالى: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم

مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللهِ عَظِيمٌ *

وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قلْتُم مَّا يَكونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَٰذَا سبْحَانَكَ هَٰذَا بهْتَانٌ عَظِيمٌ *

يَعِظُكُمُ اللهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كنتُم مُّؤْمِنِينَ *

وَيبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآيَاتِ ۚ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}.

وبعد نزول هذه الآيات توقف أبو بكر -رضي الله عنه- عن الإنفاق على مسطح بن أثاثة لأنّه كان أحد الذين ساروا بالشائعة، فأنزل الله تعالى: {وَلَا يَأْتَلِ أولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يؤْتُوا أولِي الْقُرْبَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ ۖ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ ۗ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}،فقال أبو بكر رضي الله عنه:

بلى والله، إني لأحب أن يغفر الله لي”،

فأعاد النفقة على مسطح ولم يقطعها.

وبذلك يكون قد انتهى مقال الصحابي الذي اتهم في حادثة الافك، وقد وقف فيه المقال

على تعريف بهذا الصحابي الجليل، وكذلك قد مرّ المقال سريعًا على

تفاصيل حادثة الإفك وبيّن دور المنافقين فيها، وكذلك قد وضّح من هم

الصحابة الذين جلدوا في حادثة الإفك، وختم أخيرًا بذكر الآيات التي نزلت في سورة النور بشأن قصة الإفك.

السابق
ماهو حكم استخدام الكحول كمعقم لليدين والأسطح والمساجد والأماكن العامة
التالي
من هو الصحابي الملقب بالباحث عن الحقيقة

اترك تعليقاً