نبذة عن أهمية التوحيد وثمراته

نبذة عن أهمية التوحيد وثمراته

التوحيد “لا إله إلا الله” كلمة الإسلام، ومفتاح دار السلام، وبراءة من الشرك، ونجاة من النار، ومعناه: الإيمان

بوحدانية الله عز وجل في ربوبيته وألوهيته، وأسمائه وصفاته، لا شريكَ له في مُلكه وتدبيره،

وأنّه سبحانه هو المستحقّ للعبادة وحده.. ومن المعلوم أن الله عز وجل خلق الخلق،

وأرسل الأنبياء والرسل من أجل توحيده وعبادته، قال الله تعالى:

{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}(الأنبياء:25)،

وقال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}(الذاريات:56)،

قال ابن عباس: “ليطيعون.. وَيُقَال: إِلَّا أَمرتهم أَن يوحدوني ويعبدوني”.

والتوحيد الذي تعبر عنه كلمة “لا إله إلا الله” ـ بمعانيها وشروطها ـ هو أول وأعظم واجب على العباد،

وهو أوَّل ما ندعو الناس إليه، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(يا مُعاذ، أتَدْرِي ماحَقُّ اللَّه على العِباد؟ قال: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلم، قال: أنْ يَعْبُدُوه ولا يُشْرِكُوا به شيئا) رواه البخاري.

وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: (لَمَّا بَعَثَ النبيُّ صلي الله عليه وسلم مُعَاذ بن جبَلٍ إلى نَحْوِ أهْلِ اليمن

قال له: إنَّكَ تَقْدَمُ علَى قَوْمٍ مِن أهْلِ الكِتَاب، فَلْيَكُنْ أوَّلَ ما تَدْعُوهُمْ إلى أنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ تعالى، فإذا عرفوا ذلك،

فأخْبِرْهُمْ أنَّ اللَّه قدْ فرَضَ عليهم خمس صلواتٍ في يومهم وليْلتهم) رواه البخاري.

وتوحيد الله عز وجل هو أعظم المأمورات التي أمر الله بها، والشرك بالله هو أعظم المنهيات التي نهى الله عنها،

قال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}(النحل:36). قال السعدي:

“يخبر تعالى أن حجته قامت على جميع الأمم، وأنه ما من أمة متقدمة أو متأخرة إلا وبعث الله فيها رسولا وكلهم

متفقون على دعوة واحدة ودين واحد، وهو عبادة الله وحده لا شريك له”. وقال عز وجل:

{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًاَ}(الأنعام:151).

والتوحيد هو أول ما يُسأل عنه العبد في قبره، ففي حديث البراء بن عازب رضي الله عنه الطويل،

وفيه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (فتعاد روحه (المؤمن) في جسده ويأتيه ملكان فيُجلسانه فيقولان له:

من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له:

ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟

فيقول: هو رسول الله صلي الله عليه وسلم. فيقولان: ما عملك؟ فيقول: قرأت كتاب الله وآمنت به وصدقت به،

فينادي منادٍ من السماء أنْ صدق عبدي، فأفرشوه من الجنة،

وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة..

فيقول: رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي.. وإنَّ الْكافرَ فذكرَ موته قالَ:

وتعادُ روحُهُ في جسدِه، ويأتيه

ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه، لا أدري، فيقولان له:

وما دينك؟ فيقول: هاه هاه، لا أدري،

قال: فينادي مناد من السماء أفرشوا له من النار وألبسوه من النار،

وافتحوا له بابا إلى النار) رواه أحمد وأبو داود

وصححه الألباني. فكل ميت سيُسأل في قبره ثلاثة أسئلة: من ربك؟ وما دينك؟ وما نبيك؟ وهي أسئلة تدور حول

التوحيد والإيمان والإسلام، فالمؤمن يثبته الله ويُوَفَق للإجابة، والكافر يقول: هاه هاه لا أدري.

فضائل وثمرات التوحيد:

توحيد الله عز وجل له الكثير والكثير من الفضائل والثمرات العظيمة في الدنيا والآخرة، ومن ذلك:

1 ـ الأمن والأمان في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى:

{الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم

مُّهْتَدُونَ}(الأنعام:82)، قال السعدي:”الأمن من المخاوفِ والعذاب والشقاء،

والهدايةُ إلى الصراط المستقيم،

فإن كانوا لم يلبسوا إيمانهم بظلم مطلقا، لا بشرك،

ولا بمعاص، حصل لهم الأمن التام، والهداية التامة.

وإن كانوا لم يلبسوا إيمانهم بالشرك وحده، ولكنهم يعملون السيئات،

حصل لهم أصل الهداية، وأصل الأمن،

وإن لم يحصل لهم كمالها”.

2ـ التوحيد شرط هام من شروط النصر والتمكين، قال الله تعالى:

{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ

لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ

خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}(النور:55)،

قال الطبري: “{لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} يقول: لا يشركون في عبادتهم إياي الأوثان والأصنام ولا شيئا غيرها، بل

يخلصون لي العبادة فيفردونها إليَّ دون كل ما عبد من شيء غيري”.

3 ـ التوحيد هو أول وأهم شرط في قبول الأعمال، قال الله تعالى:

{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ

رَبِّهِ أَحَدًا}(الكهف:110)، قال ابن كثير: “{فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا}، ما كان موافقا لشرع الله،

{وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}

وهو الذي يراد به وجه الله وحده لا شريك له، وهذان ركنا العمل المتقبل. لا بد أن يكون خالصا لله،

صوابا على شريعة رسول الله صلي الله عليه وسلم”. وفي الحديث القدسي:

(قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك،

مَن عمل عملاً أشرك فيه معي غيري، تركتُه وشِرْكَه) رواه مسلم.

4 ـ يثبت الله العبد في قبره بالتوحيد، قال الله تعالى:

{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي

الْآخِرَةِ}(إبراهيم:27)، هذه الآية باتِّفاق أئمة وعلماء التفسير في عذاب القبر،

والمراد بالتثبيت هو عند السؤال في

القبر حقيقة. قال ابن عباس: “{بالْقَوْل الثَّابِت} شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، {فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} لكَي لَا يرجِعوا عَنْهَا،

{وَفِي الْآخِرَةِ} يَعْنِي فِي الْقَبْر إِذا سُئِلَ عَنْهَا، {وَيُضِلُّ اللَّهُ } يصرف الله {الظَّالِمِينَ} الْمُشْركين عَن قَول لَا إِلَه إِلَّا الله

فِي الدُّنْيَا لكَي لَا يَقُولُوا بِطيبَة النَّفس وَلَا فِي الْقَبْر وَلَا إِذا أخرجُوا من الْقُبُور وهم أهل الشقاوة

{وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}”.
5 ـ توحيد الله تعالى من أعظم أسباب الفوز بشفاعة النبي صلي الله عليه وسلم ،

فعن أبي هريرة رضي الله عنه

قال: (قُلتُ: يا رَسولَ اللَّه، مَن أسْعَدُ النَّاسِ بشفاعَتِكَ يوم القيامة؟

فقال: لقدْ ظَنَنْتُ يا أبا هريرة أن لا يسْأَلَني عن

هذا الحديث أحَدٌ أوَّل منْك، لِما رَأَيْتُ مِن حِرْصِك على الحديث، أسْعَدُ النَّاسِ بشَفَاعَتي يَومَ القِيَامة مَن قال:

لا إله إلَّا اللَّه، خَالِصًا مِن قَلْبه، أوْ نَفْسِه) رواه البخاري.
6 ـ بالتوحيد يغفر الله الذنوب، ويكفر السيئات، ففي الحديث القدسي عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلي الله

عليه وسلم قال: (قال الله : يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا،

ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك

بقرابها مغفرة) رواه الترمذي وصححه الألباني. قال ابن رجب: “مَن جاء مع التوحيد بقراب الأرض – وهو ملؤها، أو ما

يقارب ملأها ـ خطايا، لقيه الله بقرابها مغفرة، لكن هذا مع مشيئة الله عز وجل،

فإن شاء غفر له، وإن شاء أخذه بذنوبه”.

7 ـ مِنْ أجَّل وأعظم ثمرات التوحيد أن الله عز وجل جعله شرطا في دخول الجنة، ومانعا من الخلود في النار،

قال الله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}(المائدة:72)،

قال ابن عباس: “{إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّه} ويمت عليْه {فَقَدْ حَرَّمَ الله عَلَيهِ الْجنَّة} أَن يدخلهَا، {وَمَأْوَاهُ النَّارُ} مصيره النَّار،

{وَمَا للظالمين} للْمُشْرِكين {مِنْ أَنْصَارٍ} من مَانع مِمَّا يُرَاد بهم”.

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي

صلي الله عليه وسلم قال: (مَن مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة،

ومَن مات يشرك بالله شيئًا دخل النار)

رواه البخاري.

فائدة:
لا يدخل العبد في الإسلام إلا بهاتين الشهادتين: “أشهد أن لا إله إلا الله،

وأن محمدا رسول الله”، فهما متلازمتان،

وفي حديث جبريل المشهور قال صلي الله عليه وسلم:

(الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله،

وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً) رواه البخاري.

فالشهادتان ركن واحد من أركان الإسلام، وهذا الركن الأول من أركان الإسلام هو اعتقادٌ يشمل توحيد الله والشهادة

لنبيه بالرسالة، فكما أنه يجب أن يقول العبد: أشهد ألا إله إلا الله، ولا يدخل في الإسلام إلا بذلك، فكذلك الحكم ـ

سواء بسواء ـ بالنسبة إلى الشطر الثاني من الشهادة: أشهد أن محمدا رسول الله، فلا يصح إسلام وإيمان إلا بهما

معا، فهما متلازمتان قرينتان في الحكم، شطران لركن واحد، فمن شهد بإحداهما لزمته الأخرى. قال ابن حجر في

فتح الباري: “والِاقْتِصار على شهادة أن لا إله إلا الله عَلى إِرَادَة الشَّهَادَتَيْن مَعًا لِكَوْنِهَا صَارَتْ عَلَمًا عَلى ذلك”.

وفي “مرقاة المفاتيح”: “ولتلازم الشهادتين شرعا: جُعِلتا خصلة واحدة، واقتصر في رواية على إحدى الشهادتين

اكتفاء. قيل: وأُخذ من جمعهما كذلك في أكثر الروايات: أنه لا بد في صحة الإسلام من الإتيان بهما”.

التوحيد له فضائل وثمرات عظيمة وكثيرة في الدنيا والآخرة،

وهو حق الله الأعظم على عباده، وبالتوحيد يدخل

الإنسان الجنة، وبضده وهو الشرك يدخل به النار،

وقد قال النبي صلي الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه

قال: (يا مُعاذ، أتَدْرِي ماحَقُّ اللَّه على العِباد؟ قال: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلم، قال:

أنْ يَعْبُدُوهُ ولا يُشْرِكُوا به شيئا، أتَدْرِي ما

حَقُّهُمْ عليه؟ قال: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلم، قال: أنْ لا يُعَذِّبَهُمْ) رواه البخاري.

السابق
من غريب القرآن الكريم.. كلمة ذكرت مرة واحدة وقصة نزول سورتها
التالي
تعبير متميز حول آثار التدين بالإسلام في حياة المسلم

اترك تعليقاً