
فطرة الناس على تذكر أيام الصبا فطر الله عز وجل الناس وجعل فطرهم أنها تحب العودة إلى أيام
الصبا وتلتذ بها فطرة الناس على تذكر أيام الصبا
فطرة الناس مجبول عليه الناس ومفطورون عليه
فطرة الناس هذا مجبول عليه الناس ومفطورون عليه، بل أنهم حينما يمرون على سوء في أيامهم
يتذكرون حلاوة الماضي، ولا يتذكرون سوءه، ولا يتذكرون إلا الخير، وإن تذكر السوء تذكره بحلاوة
وطراوة.
شديد المرارةفطرة الناس
فطرة الناس هذا لا يدل على أن ما مضى حلو، ولا أن ما هو فيه فيه من المرارة ما فيه، لكن ما هو فيه
من مرارة ونكد لا يستحضر إلا ذلك الفعل، أو تلك الحال التي هو فيها، وينسى ما مضى وإن كان مراً أو
شديد المرارة.
وقد يمر على الإنسان من اللأواء والشدائد فيتمنى ما مضى وإن كانت أشد مرارة، لماذا؟ لأنها قد غابت
عن ذهنه ولم يستحضرها، وهذا معلوم ومشاهد في أحوال الناس، فإن الناس يحبون الماضي وإن
كان فيه قسوة وعدم راحة بال، ويريدون هرباً مما هم فيه فقط.
مثل من يتذكر الماضيفطرة الناس
وقد ضرب الله عز وجل في كتابه العظيم أعظم مثال على أن الإنسان حينما يتمنى الماضي ويتذكره
أنه لا يلتفت له؛ لأن الإنسان يعيش لحظته، ولا يدرك غيرها، والماضي مهما كانت مرارته فلا يخطر
على بال الإنسان ما فيه من مرارة، وقد وصف الله عز وجل حال الكفار فقال:
(( وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ )) أي: يوم القيامة وهم على شفير جهنم: فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ [الأنعام:27]، فيتمنون أن يعودوا إلى هذه الدنيا، ونحن نريد على نمثل أن الإنسان ينسى، وإن عاين الشيء وعاين الخطورة ينسى ما رآه من هول ومصائب وكوارث، فقال الله عز وجل عنهم: بَلْ بَدَا لَهمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [الأنعام:28]، فبعد أن رأى النار يحطم بعضها بعضاً بكلاليبها وحرها، وما جعل الله عز وجل فيها من العذاب الأليم، رآه الإنسان عياناً، ثم يتمنى أن يعود للدنيا؛ لكي يعمل صالحاً، لكن الله عز وجل يقول: وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [الأنعام:28]، أي: أن الإنسان ينسى، فيعيش لحظته، والماضي لا يدركه كما يدرك الحقيقة، والإنسان هو عين اليقين، فثمة تكذيب، وثمة شك، وثمة ريبة، وثمة ظن، وثمة غلبة ظن وثمة يقين، وثمة عين اليقين وهو أعلى الدرجات، وهو أن يعاين الإنسان الحقيقة، ولا يوجد بعد هذا اليقين شيء، فإن عاينها، وإن كانت في أعلى درجات المرارة، ثم تجاوزها فإنه لا يتذكرها كما يتذكر غيرها، بل ربما لو شاكته شوكة لتمنى تلك الأيام؛ لأنه يعيش ذلك الألم فقط وينسى.