
شرح وتفسير أخر سورة الكهف
شرح وتفسير أخر سورة الكهف … انزل الله القرآن الكريم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن أية من آيات الله عز وجل ولكل كلمة تفسير في القرآن وليس لكل آية.
ذكر الله -تعالى- في أواخر سورة الكهف جزاء الكافرين يوم القيامة، وإحباطه لأعمالهم، فقال -تعالى-: (قُل هَل نُنَبِّئُكُم بِالأَخسَرينَ أَعمالًا* الَّذينَ ضَلَّ سَعيُهُم فِي الحَياةِ الدُّنيا وَهُم يَحسَبونَ أَنَّهُم يُحسِنونَ صُنعًا)، وقد قال بعض المفسّرون: إنّ الأخسرين هُمُ القسّيسون والرُّهبان، وقيل: هم اليهود والنصارى، وقيل: الخوارج، وقيل: من يتّبع هواه، وقيل: هُم من يمنّون عند فعلهم للمعروف.
وبيّن الله -تعالى- أنهم يكونون يوم القيامة بلا وزنٍ ولا قدرٍ؛ وذلك لكثرة معاصيهم وإحباط أعمالهم فصار الوزن عليهم وليس لهم، وذكرت الآيات أنّ أعمال الكافرين بطلت بسبب توهّمهم أنّهم على الحق وفي الحقيقة هم على الباطل، ولا يتّبعوا الحق استكباراً وإصراراً، وبيّن الله -تعالى- هذه الأصناف بقوله: (أُولـئِكَ الَّذينَ كَفَروا بِآياتِ رَبِّهِم وَلِقائِهِ فَحَبِطَت أَعمالُهُم فَلا نُقيمُ لَهُم يَومَ القِيامَةِ وَزنًا)، فهمُ الذين كذّبوا بيوم القيامة والبعث، فأبطل الله -تعالى- أعمالهم فلم ينتفعوا بها يوم القيامة؛ لأنّ الله لم يقبلها منهم ، وذكر الله -تعالى- أنّ جزاؤهم النار يوم القيامة؛ بسبب كُفرهم بالآيات والرُسل والاستهزاء بهم، لِقوله -تعالى-: (ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً).
وقد قال القرطبي في تفسيره: إنّ في الآيات دلالةٌ على أنّ من يَحْبِطُ عمله فذلك بسبب فساد سعيه، إمّا بالاعتقاد أو المُراءاة، والمقصود به الكُفر، لما ورد في صحيح البُخاريّ: (سَأَلْتُ أبِي: (قُلْ هلْ نُنَبِّئُكُمْ بالأخْسَرِينَ أعْمَالًا): هُمُ الحَرُورِيَّةُ؟ قالَ: لا هُمُ اليَهُودُ والنَّصَارَى، أمَّا اليَهُودُ فَكَذَّبُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأَمَّا النَّصَارَى فَكَفَرُوا بالجَنَّةِ وقالوا: لا طَعَامَ فِيهَا ولَا شَرَابَ، والحَرُورِيَّةُ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ، وكانَ سَعْدٌ يُسَمِّيهِمُ الفَاسِقِينَ)، وقال عن ابن عباس -رضي الله عنه-: إنّ المقصود بها هُم كُفارُ مكة، وقال علي: هُمُ الخوارج، وقيل: هُم مُشركي مكة عُبّاد الأصنام، فيكون جزاؤهم النار؛ لأنهم يأتون من غير حسناتٍ أو ثوابٍ،فكانوا كمن يعمل عملاً ليبتغي به الربح ولكن تكون نتيجته الخسارة الفادحة، فهذه الآيات بلّغها الرسول -صلى الله عليه وسلم- للكافرين المُعجبين بتصرُّفاتهم وأعمالهم الباطلة، ليُبيّن لهم كونها عائدة عليهم بالخسارة بسبب إصرارهم على الكُفر.
ذكر جزاء المؤمنين يوم القيامة
ذكر الله -تعالى- أنّ جزاء بعض المؤمنين يوم القيامة هو جنة الفردوس، وهي أفضل الجِنان، وأعلاها وأحسنها، ولا يجدون عنها تحولاً، ولا يكون لهم منزلاً إلّا هي و ذلك في قوله: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً)، كما أنّ جنهم كانت للكافرين نُزُلاً، فالجنة للمؤمنين نُزُلاً، بشرط: الإيمان مع العمل الصالح؛ ويكون ذلك من خلال صلاح الإيمان في القلب مع عمل الجوارح، وإخلاص ذلك لله -تعالى-، وأن يكون موافقاً لشرعه، وما كان غير ذلك فهو مردود، لِقولهِ -تعالى- في الحديث القُدُسيّ: (أنا أغْنَى الشُّرَكاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَن عَمِلَ عَمَلًا أشْرَكَ فيه مَعِي غيرِي، تَرَكْتُهُ وشِرْكَهُ)، فالمؤمن يرضى بما أعطاه الله -تعالى- يوم القيامة من النعيم، ويكون مستقره ومكانه الجنة.
وجاءت هذه الآيات مُناسبة لما قبلها، حيثُ ذكر الله -تعالى- فيها صفات المؤمنين وجزاؤهم واستحقاقهم للفردوس بعد أن ذكر صفات الكافرين وأعمالهم وجزاءهم. وبيّنت أنّ الأصل كون الإيمان هو الدافع نحو الأعمال الصالحة التي تتحقق بها المصلحة، فإن كان غير ذلك فإنها ستكون وبالاً على صاحبها لا أجر له عليها
بيان عجز الخلق عن إدراك سعة علم الله وقدرته
ذكر الله -تعالى- سعة علمه وقُدرته، وعجز الخلق عن إحصاء معلوماته ومقدوراته، وورد ذلك في قوله -تعالى-: (قُل لَو كانَ البَحرُ مِدادًا لِكَلِماتِ رَبّي لَنَفِدَ البَحرُ قَبلَ أَن تَنفَدَ كَلِماتُ رَبّي وَلَو جِئنا بِمِثلِهِ مَدَدًا)، وفي الآية إخبارٌ من الله -تعالى- لنبيه مُحمد -عليه الصلاةُ والسلام- بأنّ البحر لو كان حبراً يُكتبُ به كلمات الله -تعالى- لنفد البحر وتكسّرت الأقلام مع بقاء كلمات الله -تعالى-، حتى وإن جاء الناس بزيادة على هذه البحار أو الأقلام، ففي هذه الآية إخبارٌ عن سعة علم الله -تعالى-، وبيانٌ لِعظمة القُرآن وشأنه، لدرجة أنّ البحار لو كانت حبراً يُكتبُ به كلمات الله -تعالى- لفرغت البحار قبل الانتهاء من كتابة هذه الكلمات، حتى وإن جيء بمثلها
بيان بشرية النبي وأن شرط القبول عند الله العمل الصالح والإخلاص لله
قال الله -تعالى-: (قُل إِنَّما أَنا بَشَرٌ مِثلُكُم يوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلـهُكُم إِلـهٌ واحِدٌ فَمَن كانَ يَرجو لِقاءَ رَبِّهِ فَليَعمَل عَمَلًا صالِحًا وَلا يُشرِك بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)،حيثُ إنّ الإنسان الذي يرجو لقاء ربه عليه القيام بالعبادة خالصة لله -تعالى بعيداً عن الشرك والرياء،وفي هذه الآية بيانٌ ودليل على بشريّة النبيّ محمد -عليه الصلاةُ والسلام-، وأنّه ليس نورانياً أو إلهاً، كما أنه لا يملك لنفسه نفعاً أو ضراً، ولكن ما يُميّزه عن غيره هو أنّه يوحى إليه من الله -تعالى- ومن ذلك ما بلغه للناس بأنّ من كان يُريدُ النجاة فلا بُد له من الإيمان حتى يلقى الله على ذلك، مع القيام بالعبادات بإخلاص من غير رياءٍ أو شرك، كما أنّ في الآية بيانٌ من الله -تعالى- على أنّ الطريق الوحيد الموصل إليه سبحانه هو التوحيد الذي هو محور الإسلام، وأنّ العمل بإخلاص هو طريق النجاة في الآخرة