حرف ومهن الأنبياء والصحابة .

حرف ومهن الأنبياء والصحابة .

 

يتنفس الصبح ومنذ أن يبزغ الفجر يبدأ الناس في الخروج أفواجاً، حتى يكسبوا أقواتهم ومعايشهم، حيث يتوكل كل الناس على الله طالبين الرزق منه وأن يتغمدهم برحمته ورزقه الذي لا ينفذ، حتى الطير يخرج بطاناً ويغدون خماصاً، وما من أحد يتوكل على الله إلا يقضي عنه حاجته، فالسر هنا هو التوكل على الله والعمل، لطلب الرزق، وكان أهم دليل على أهمية العمل هم الأنبياء والصحابة الكرام، الذين على الرغم من مكانتهم الكبيرة إلا أنهم كانوا يأكلون من قوت أيديهم،وفي هذا المقال سوف نتحدث بإذن الله عن حرف ومهن الأنبياء والصحابة، والحكمة من وراء ذلك.

أهميّة العمل في الإسلام
حثّ الإسلام في كثيرٍ من النصوص القرآنيّة والأحاديث النبويّة على طلب الرّزق، والسعي في الأرض من خلال العمل المُباح، ومن النّصوص التي أشارت إلى أهميّة العمل والتكسُّب بشتّى أنواع المِهن والوظائف ما يأتي:

  • قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، فإذا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ).
  • قال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ).
  • قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ).[١١]
  • قول الله سبحانه وتعالى: (رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً).

العمل في حياة الصحابة
لقد كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضوان الله عليهم جميعاً يسعون إلى أرزاقهم ويسلكون طريق الكسب بدون تواكل أو كسل، فقد كان منهم التجار البارعون، والتي كانت مهنتهم في الأساس منذ البداية ويشهد على هذا سوق عكاظ ومجنة وبنو قينقاع وذو المجاز وحباشة.
ولأهمية التجارة لدى العرب قديماً ولشهرتهم بالأسواق المختلفة بمكة والبلدان المحيطة فقد أحل الله لهم التجارة والبيع في مواسم الحج، فقال تعالى: ” لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ “(سورة البقرة آية 189)
كان التُجار يتاجرون في البحر والبر ويتاجرون داخلياً وخارجياً، وكانت هناك رحلتان شهيرتان وهي رحلتا الشتاء والصيف، التي اشتهرت بها قريش، التي نزل فيها قوله تعالى (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)).قريش
وقد كان من الصحابة رضوان الله عليهم من التجار الذين كانوا يعملون في التجارة أيام الجاهلية والتي كانت من أهم وأشهر الأعمال عن العرب، ولكن الصحابة أيضاً رضوان الله عليهم لم يقتصروا على تلك المهنة ولكن كانوا أيضاً يعملون في العديد من الحرف المختلفة، فمنهم الصناع ومنهم المزارعين، وقد احترفوا سائر الحرف والأعمال، على حسب مكان الذي كانوا فيه.
أشتهر الأنصار بأنهم كانوا مزارعين وأهل بساتين ونخل، وهذا يرجع إلى البيئة التي نشأوا فيها وهي المدينة والتي كانت تعتمد على الزراعة، بينما المهاجرين اشتهر عنهم أنهم أهل تجارة وذو ثقل في الأسواق، وهذا أيضاً يرجع إلى بيئتهم وهي قريش التي كانت تعمل في التجارة في الغالب، وبعد الإسلام كان كل شخص يعمل في حرفة أو مهنة معينة كان يقوم بها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشجعهم على هذا، بغرض التشجيع على العمل الصالح وإعمار الأرض
هذه الأعمال جعلت من صحابة رسول الله أهل كرامة وعفة واكتفاء وأصحاب نفع وفضل على الآخرين، وفي الحديث التالي مثال على همتهم العالية بالإضافة إلى أخلاقهم النبيلة.
حيث قال البخاري : حدثنا إسماعيل بن عبد الله قال : حدثني إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده قال : لما قدموا المدينة آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عبد الرحمن وسعد بن الربيع، قال عبد الرحمن : إني أكثر الأنصار مالاً، فأقسم مالي نصفين، ولي امرأتان، فانظر أعجبهما إليك، فسمها لي، أطلقها، فإذا انقضت عدتها فتزوجها، قال: بارك الله لك في أهلك ومالك؟ أين سوقكم؟ فدلوه على سوق بني قينقاع، فما انقلب إلا ومعه فضل من أقط وسمن، ثم تابع الغدو، ثم جاء يوماً وبه أثر صفرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مهيم ؟ (مهيم: سؤال عن الحالة) » قال : تزوجت ، قال : «كم سقت إليها ؟» قال : نواة من ذهب – أو وزن نواة من ذهب – شك إبراهيم
بعض أعمال الصحابة
عرف الصحابة بالكد والعمل في مجالات وحرف مختلفة، وهنا نوضح أبرز هؤلاء الصحابة لنلقي الضوء على أهم المهن التي خاضوا بها عبر حياتهم.
لقد مات عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وترك ثروة ضخمة من التجارة التي كان يعمل بها، وكان من نبل سيدنا عبد الرحمن أنه أصر على أن يتاجر ويزاحم التجار من اليهود في أسواقهم، ويكتسب من عرقه ما يعف نفسه به ويحصن نفسه وفرجه.
كان الصحابي الجليل خباب بن الأرت يعمل حداداً،
وعبد الله بن مسعود كان يعمل راعياً
وكان سعد بن أبي وقاص يعمل في صناعة النبال،
كان الزبير بن العوام يعمل خياطاً،
وبلال بن رباح وعمار بن ياسر كانا خادمين،
وكان سلمان الفارسي يعمل مؤبر للنخيل وحلاقاً، وخبيراً في فنون الحرب،
والبراء بن عازب و زيد بن أرقم كانا يعملان في التجارة.
عرف عن عامر بن كريز إنه كان يعمل جزاراً،
والعاص بن هشام رضي الله عنه أخو أبي جهل كان حداداً،
والوليد بن المغيرة ولد الصحابي الجليل خالد بن الوليد كان أيضاً حداداً،
كان عثمان بن طلحة يعمل خياطاً،
وكان أيضاً قيس بن مخرمة يعمل خياطاً.
عرف عن أبو سفيان بن حرب ببيع الجلود والزيت، كما عرف أمية بن خلف ببيع الأواني والبرم.

حرف ومهن الأنبياء
جميع الأنبياء كانوا من أصحاب المهن والحرف، فلم تُقعدهم رسالاتهم النبوية السامية عن العمل في الحياة، وكسب الرزق، فكانوا جميعاً يُخلصون في أعمالهم المُختلفة، ويتقون الله في معاملاتهم مع الناس من خلال الحرف أو المهن، فخاتم الأنبياء والمُرسلين محمد عليه الصلاة والسلام، كان يعمل في مهنة الرعي لمدة عشر سنوات، ثم في التجارة، حيثُ سلمته زوجته السيدة خديجة رضي الله عنها أمر تجارتها،
والآن سوف نتحدث عن حرف ومهن الأنبياء الآخرين، والحكمة من وراء ذلك.

  • أبو البشَر سيدنا آدم عليه السلام: عمل فلاَّحاً، حيثُ كان يشتغل في الأرض ويفلحها بيديه، بمعاونة زوجته حواء، ويُذكر أنه كان أيضاً يصنع المعدَّاتِ التي تُسهل عليه الأعمال الزراعية.
  • نبينا خليلُ الله ابراهيم عليه السلام: عمل بنَّاءً، فهو من بنَى الكعبة الشريفة في مدينة مكة المُكرمة، وساعده على ذلك ابنه النبي إسماعيل عليه السلام الذي كان يعمل قناصاً، وتُشير العديد من المصادر إلى أن سيدنا إبراهيم كان أيضاً تاجر أقمشة.
  • النبي شعيب عليه السلام: كان راعياً للغنم.
  • النبي إدريس عليه السلام: عمل في مجال الخياطة، ويذكر أنّه كان مع كل غرزة لإبرة الحياكة يُسبح الله ويذكر اسمه.
  • النبي إسحاق عليه السلام: كان راعياً للغنم.
  • النبي يعقوب عليه السلام: كان راعياً للغنم أيضاً.
  • نبي الله نوح عليه السلام: عمل نجاراً؛ حيثُ تمكن من صنع السفينة التي حمته والقوم الذين آمنوا معه من الطوفان الذي أغرق الكفار بما فيهم أحد أولاده وزوجته، وكان قومه يمرون عليه وهو يبني السفينة، ويسخرون منه أشد سخرية، إلى أن نصره الله وقومه الصالحين، ولم يُبقي طوفان الماء أحداً من قومه الضالين.
  • النبي داودُ عليه السلام: اشتغل في مهنة الحدادة، يقول تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ)
  • [سبأ: 10].
  • إلياس عليه السلام: عمل نسَّاجاً.
  • النبي موسى عليه السلام: كان راعياً للغنم.

الحكمة من عمل الأنبياء
إنّ الله له القدرة المُطلقة على رزق الأنبياء خلال فترةٍ زمنيةٍ أقصر من غمضة العين، فهو الذي إذا أراد شيئاً تحقق،
وما منعه عن ذلك أمر، لكن هناك الكثير من الحِكم من وراء عمل الأنبياء، نستنبط بعضها فيما يأتي:

  • إعمار الأرض من خلال العمل.
  • جعل الأنبياء قدوة للمؤمنين، لدفع الخمول والكسل عنهم، ومواجهة الحياة بالقدرات التي أعطاهم الله إياها.
  • تجنب العوز للناس، أو مد يد الحاجة للآخرين، أو اللجوء إلى التسول، أو السرقة.
  • تعليم الإنسان وتوجيهه إلى تحمل المسؤولية.
  • تعليم الأنبياء الحلم والشفقة على الناس عند دعوتهم، ومعاملتهم باليسر عند دخلوهم في الدين؛ ولعل هذه الحكمة تتصل بمهنة الرعي التي عمل بها العدد الأكبر من الأنبياء عليهم السلام، حيثُ يتعلم الشخص في مهنة الرعي الصبر على مشقته، والحنو والعطف على قطيعه، والحرص على حمايته من أي خطر.

 

السابق
ادعية  مؤثرة جدا من القرأن الكريم
التالي
من اهتز لموته عرش الرحمن….سعد بن معاذ

اترك تعليقاً