تأملات قرآنية في اسمه تعالى الضار النافع

تأملات قرآنية في اسمه تعالى الضار النافع

هذان الاسمان العظيمان يأتيان دومًا مقترنين؛ لأن في اقترانهما ما يؤكد على عظيم قدرته،

وأنه وحده القادر الفعال لما يريد، إن شاء أعطى وتفضل وجاد، وإن شاء منع وابتلى وأصاب بحكمته

وعدله وعزته، ومن عجب أنك ترى كثيرًا من الناس في زماننا وغير زماننا رغم كثرة عبادتهم،

فإنهم يسقطون في مستنقع الشرك، ويعتقدون وجود هذه الصفات في بعض ما لا يرونه،

تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا.

وكان من دأب العرب في الجاهلية أن يتيامنوا ويتشاءموا بالطير، فإن طار جهة اليمين،

سافروا وقاموا بأعمالهم، وإن طار جهة الشمال، تشاءموا وانقبضوا،

فجاء الإسلام وأبطل مثل هذه الخرافات، التي لا أساس لها ولا أصل لها،

فكل شيء عند الله بمقدار، ولا نافع ولا ضار، ولا معطيَ ولا مانع، ولا محيي ولا مميت، ولا رزاق ولا قابض ولا باسط غير الله.

وفي أيامنا هذه نجد كثيرًا من السحرة والمنجمين يقومون بصنع الأحجبة والرقى والتعاويذ، ويزعمون أنها تنفع من يحملها، وتضر من تصنع له وتوجَّه ضده، وهذا من الشرك الظاهر الذي يأثم فاعله، ويأثم من يعتقد في صحته، وقد حسم القرآن الكريم هذه المسألة وبيَّنها أوضح بيان، فأسند الضر والنفع إليه سبحانه وتعالى، فهو الذي يملك الضر ويقدر عليه، وهو الذي يملك النفع ويقدر عليه، سبحانه لا شريك له، ولا ند له، ولا نظير له؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [يونس: 107]، ومعنى الآية واضح تمامًا، فإن الله تعالى إذا أراد بعبده شدة أو بلاء، فلا كاشف لهذا البلاء أو هذه الشدة إلا هو، ولا دافع لذلك الضر إلا هو، فلا تقدر الأصنام وغيرها على دفع الضر عن الإنسان، وإن أرادك بخير كسعة الرزق والصحة في الجسم وغير ذلك، فلا راد لفضله ولا مانع لعطائه، وهو عز وجل يصيب بهذا الفضل من يشاء من عباده، ولا يُسأل عما يفعل، سبحانه هو العزيز الحكيم.

وعن الحسن أنه قال: قال عامر بن عبدقيس: “ما أبالي ما أصابني من الدنيا وما فاتني منها بعد ثلاث آيات ذكرهن الله تعالى في كتابه؛ وهي قوله: ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ﴾ [يونس: 107]، وقوله: ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ ﴾ [فاطر: 2]، وقوله: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ﴾ [هود: 6]”، فانظر إلى فقه الرجل ويقينه، لقد كان فهم هؤلاء للقرآن الكريم فهمًا صحيحًا ودقيقًا وغضًّا، وكانوا لا يكتفون بتلاوته وحفظه، إنما كانوا يطبقونه في حياتهم تطبيقًا صحيحًا؛ فأثمر وآتى أُكُلَه، واستقامت حياتهم به.

وعندما استعجل المشركون العذاب، وطلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم أن ينزل بهم العذاب إن

كان صادقًا – أمره الله تعالى أن يخبرهم أنه لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعًا ولا ضرًّا؛

فالنافع والضار هو الله تعالى وحده، وكل شيء عنده بمقدار؛ قال تعالى:

﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [يونس: 49]، وقوله تعالى: ﴿ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ﴾: يعني: ليس في يدي دفع مضرة ولا جر منفعة، إلا ما شاء الله أن يقويني عليه؛ قال مقاتل: “معناه: قل: لا أملك لنفسي أن أدفع عنها سوءًا حين ينزل، ولا أن أسوق إليها خيرًا إلا ما شاء الله، فكيف أملك القدرة على نزول العذاب بكم؟”، وقال القتبي: “الضُّر بضم الضاد: الشدة والبلاء؛ كقوله: ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ ﴾ [الأنعام: 17]، وكقوله: ﴿ ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ ﴾ [النحل: 54]، والضَّر بفتح الضاد: ضد النفع؛ ومنه قوله تعالى: ﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ﴾ [يونس: 49]؛ يعني: قل: لا أملك جر نفع ولا دفع ضر”؛ [انظر: بحر العلوم لأبي الليث السمرقندي].

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يومًا، فقال لي:

يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله،

وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء،

لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء،

لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعتِ الأقلام وجفت الصحف))؛ [رواه الترمذي].

 

السابق
تأملات قرآنية حول الإعاقة في ظل الإسلام
التالي
ماهي أداب وشروط المفسر

اترك تعليقاً