بل إن حرمته شديدة بدليل ما ورد في السنة النبوية من أحاديث
عن تخويف الناس والتحذير منه وبيان عقوبته.
أحاديث عن تخويف الناس
حَدَّثَنا أصحابُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّهم كانوا يَسِيرونَ مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فنام رجلٌ منهم، فانطَلَق بَعضُهم إلى حَبلٍ معه فأخَذَه، ففَزِعَ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا يَحِلُّ لمسلِمٍ أن يرَوِّعَ مُسلِمًا. [1]
المسلم أخو المسلم، وله من الحقوق ما يجعل أخوة الدين أشد من أخوة النسب، ومن حقوق الأخوة ألا يصيب المسلم أخاه بالحزن والجزع أو بالخوف والذعر بأي شكل. وفي هذا الحديث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يحل لمسلم أن يروع مسلما”، أي: يحرم على أي مسلم أن يفزع أو يخوف مسلما مثله، بأي شكل وفي أي حال ولو كان بالمزاح والمداعبة، وبالأحرى فإن تعمد تفزيع المسلمين وإخافتهم تكون أشد حرمة؛ فمن كان مسلما حقا فإنه لا يفعل ذلك؛ وسبب هذا الحديث أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يسيرون معه، أي: يسيرون ليلا، “فنام رجل منهم، فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه”، أي: فأخذ الحبل من الرجل النائم مازحا، أو ربط به النائم مازحا معه، ويحتمل أنه ربط بالحبل الرجل النائم، “ففزع”، أي: فزع الرجل الذي كان نائما لما استيقظ من فقده لحبله، أو خاف مما فعل به. وفي الحديث: النهي عن إخافة المسلمين، ولو بالمزاح
المسلم مأمور بحسن الخلق مع الناس جميعا ومع إخوانه من المسلمين بصفة خاصة، وقد سد الشرع ذرائع الشيطان ومداخله التي يترصد منها للناس ليفسد بينهم ويوقع الشر فيهم، وفي هذا الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “من أشار إلى أخيه بحديدة”، أي: من رفع في وجه أخيه المسلم حديدة أو سلاحا، أو أشار بها إليه ليروعه أو يخوفه ولو كان مازحا، “فإن الملائكة تلعنه”، أي: تدعو عليه بالطرد من رحمة الله، “حتى وإن كان أخاه لأبيه وأمه”، حتى وإن كان المشار إليه بالحديدة أخاه الشقيق من أبيه وأمه، وهذا مبالغة في إيضاح عموم النهي في كل أحد؛ سواء من يتهم فيه ومن لا يتهم. وفي الحديث: النهي عن ترويع المسلمين وإخافتهم.
قالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: المؤمنُ من أَمِنَه الناسُ. [3]
في هذا الحديث يخبر فضالة بن عبيد رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “المؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم”، أي: المؤمن الحق كامل الإيمان، هو من أمنه الناس ولم يخافوا منه على دمائهم وأموالهم؛ لأن الإيمان يوجب على صاحبه القيام بحقوق الإيمان مع الناس، مثل: رعاية الأمانات، والصدق في المعاملات، والورع عن ظلم الناس في دمائهم وأموالهم، وفي مسند أحمد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا إيمان لمن لا أمانة له”. وفي الحديث: بيان أن أثر الدين ينبغي أن يظهر في سلوك الإنسان بين الناس؛ فلا يؤذيهم، ويظهر في أفعاله الذاتية فيجتنب المحرمات ويفعل المأمور به.
ومما ثبت من أحاديث عن تخويف الناس قول النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
من روَّع مؤمنًا لم يُؤمِّنِ اللهُ رَوْعتَه يومَ القيامةِ ومن أخاف مؤمنًا
لم يؤمِّنِ اللهُ خوفَه يومَ القيامة ومن سعى بمؤمنٍ أقامه الله مقامَ الخزي والذُّلِّ يومَ القيامةِ. [4]
قالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مَن أصبحَ مِنكُم آمِنًا في سِرْبِه،
معافًى في جسَدِهِ، عندَهُ قوتُ يَومِه، فَكأنَّمَا حِيزَتْ له الدُّنْيا. [5]
يقولُ اللهُ عزَّ و جلَّ : وعزَّتي لا أَجْمَعُ على عَبدي خَوْفَيْنِ ولا أَجْمَعُ لهُ أَمْنَيْنِ،
إذا أَمِنَنِي في الدنيا أَخَفْتُهُ يومَ القيامةِ، وإذا خَافَنِي في الدنيا أَمَّنْتُهُ يومَ القيامةِ. [6]
ومن دعاء النبي صلّى الله عليه وسلمّ: اللَّهمَّ إنِّي أسألُك العافيةَ
في الدُّنيا والآخرةِ اللَّهمَّ أسألُك العفوَ والعافيةَ في ديني